حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ (وَنَاضِحُهُ) وَهُوَ الْبَعِيرُ وَغَيْرُهُ يَسْتَقِي عَلَيْهِ الْمَاءَ رَوَى مَالِكٌ وَغَيْرُهُ حَدِيثَ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَنَهَى عَنْهُ، وَقَالَ أَطْعِمْهُ رَقِيقَك وَأَعْلِفْهُ نَاضِحَك» (وَيَحِلُّ جَنِينٌ وُجِدَ مَيْتًا فِي بَطْنِ مُذَكَّاةٍ) بِالْمُعْجَمَةِ رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، حَدِيثَ «أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَنْحَرُ الْإِبِلَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ، أَفَنُلْقِيه أَمْ نَأْكُلُهُ فَقَالَ كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» أَيْ ذَكَاتُهَا الَّتِي أَحَلَّتْهَا أَحَلَّتْهُ تَبَعًا لَهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ سُؤَالَهُمْ عَنْ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الشَّكِّ بِخِلَافِ الْحَيِّ الْمُمْكِنِ الذَّبْحِ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالتَّذْكِيَةِ فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَنْ الْمَيِّتِ لِيُطَابِقَ السُّؤَالَ. .

(وَمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا) مِنْ عَدَمِ الْأَكْلِ لِفَقْدِ حَلَالٍ يَأْكُلُهُ وَيُسَمَّى مُضْطَرًّا. (وَوَجَدَ مُحَرَّمًا) كَمَيْتَةٍ وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ (لَزِمَهُ أَكْلُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ) لَهُ وَالْأَكْلُ وَتَرْكُهُ (فَإِنْ تَوَقَّعَ حَلَالًا قَرِيبًا) أَيْ عَلَى قُرْبٍ (لَمْ يَجُزْ غَيْرُ سَدِّ الرَّمَقِ) وَفِي سَدِّهِ الْوُجُوبُ وَقِيلَ الْجَوَازُ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّعْهُ (فَفِي قَوْلٍ يُشْبِعُ) جَوَازًا (وَالْأَظْهَرُ سَدُّ الرَّمَقِ) فَقَطْ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ فَيَجِبُ فِي الْأَصَحِّ. (إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفًا إنْ اقْتَصَرَ) عَلَيْهِ فَيُشْبِعُ قَطْعًا وُجُوبًا فِي الْأَصَحِّ. .

[أكل آدمي ميت]

(وَلَهُ) أَيْ لِلْمُضْطَرِّ (أَكْلُ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ) لِأَنَّ حُرْمَةُ الْحَيُّ أَعْظَمُ فَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا وَالْمَيِّتُ مُسْلِمًا فَفِي أَكْلِهِ وَجْهَانِ.

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ الْقِيَاسُ تَحْرِيمُهُ (وَقَتْلُ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ) بَالِغٍ وَأَكْلُهُمَا لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَعْصُومَيْنِ (لَا ذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ وَصَبِيٍّ حَرْبِيٍّ)

ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (وَإِنْ يُطْعِمُهُ رَقِيقَهُ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّ مَمْلُوكَ الْحُرِّ يَنْتَفِعُ بِهِ سَوَاءٌ مَمْلُوكُ الْكَاسِبِ أَوْ غَيْرُهُ، وَلَمْ يُكْرَهْ لَهُ كَالْحُرِّ لِشَرَفِ الْحُرِّ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (فَنَهَى عَنْهُ) وَصَرَفَهُ عَنْ الْحُرْمَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ، وَقَالَ أَطْعِمْهُ رَقِيقَك وَنَاضِحَك» فَإِعْطَاؤُهُ الْأُجْرَةَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَخْذِهَا، وَالْأَصْلُ فِيمَا يَجُوزُ أَخْذُهُ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَأَمْرُهُ بِإِطْعَامِهِ لِرَقِيقِهِ وَنَاضِحِهِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي مَنْعِهِ مِنْهُ، وَغَايَةُ مَا يُفِيدُ الْأَوْلَوِيَّةُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَلَوْ كَانَ تَعَاطِي الْحِجَامَةَ حَرَامًا لَمْ يَجُزْ دَفْعُ الْأُجْرَةِ لَهُ لِأَنَّ كُلَّ صَنْعَةٍ مُحَرَّمَةٍ لَا يَجُوزُ دَفْعُ أُجْرَةٍ لِفَاعِلِهَا وَلَا يَجُوزُ لِفَاعِلِهَا أَخْذُهَا، كَمَا أَنَّ كُلَّ صَنْعَةٍ مَكْرُوهَةٍ يُكْرَهُ فِيهَا مَا ذُكِرَ.

فَرْعٌ: لَا يَحْرُمُ الْأَكْلُ وَلَا الْمُعَامَلَةُ وَلَا أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ مِمَّنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ إلَّا مِمَّا عُلِمَ حُرْمَتُهُ وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ. قَوْلُهُ: (جَنِينٍ) أَيْ لَيْسَ عَلَقَةً وَلَا مُضْغَةً وَمَاتَ عَقِبَ ذَبْحِ أُمِّهِ لَا قَبْلَهُ حَالًا، وَلَمْ يَنْفَصِلْ مِنْهُ شَيْءٌ قَبْلَ ذَبْحِهَا أَوْ بَعْدَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ كَخُرُوجِ رَأْسِهِ، وَإِنْ عَادَ وَلَمْ يُنْسَبْ مَوْتُهُ إلَى سَبَبٍ كَضَرْبِهِ نَعَمْ إنْ خَرَجَ رَأْسُهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَذُبِحَتْ وَمَاتَ قَبْلَ انْفِصَالِهِ حَلَّ أَوْ خَرَجَ وَفِيهِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ كَذَلِكَ وَلَوْ شَكَّ فِي مَوْتِهِ بِذَبْحِهَا أَوْ لَا لَمْ يَحِلَّ وَلَوْ مَكَثَ بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ زَمَنًا طَوِيلًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَحِلَّ. قَوْلُهُ: (فِي بَطْنٍ مُذَكَّاةٍ) بِذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ وَلَوْ بِسَهْمٍ أَوْ بِجَارِحَةٍ أَوْ يَمُوتُ بِحَتْفِ أَنْفِهِ كَمَا فِي حَيَوَانِ الْبَحْرِ، وَلَوْ وُجِدَ جَنِينٌ فِي بَطْنِ الْجَنِينِ حَلَّ أَيْضًا لِشُمُولِ الْحُكْمِ لَهُ. قَوْلُهُ: (إنْ شِئْتُمْ) دَفْعٌ لِتَوَهُّمِ الْوُجُوبِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْأَكْلِ أَيْ أَكْلُهُ مُبَاحٌ لَكُمْ قَوْلُهُ: (أَيْ ذَكَاتُهَا إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ مَرْفُوعٌ خَبَرًا لِأَنَّ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ الَّذِي هُوَ الْبَاءُ الْمُوَحَّدَةُ لَا الْكَافُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ عَدَمِ حِلِّهِ إلَّا بِذَبْحِهِ كَأُمِّهِ، إذْ لَوْ أَمْكَنَ فِيهِ ذَلِكَ لَمْ يُحْتَجْ إلَى السُّؤَالِ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ التَّهَافُتِ الَّذِي لَا مَعْنًى لَهُ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ خَافَ) أَيْ وَهُوَ مَعْصُومٌ وَلَوْ كَافِرًا فَخَرَجَ الْمُرْتَدُّ وَالْحَرْبِيُّ وَتَارِكُ الصَّلَاةِ وَقَاطِعُ الطَّرِيقِ وَقَاتِلٌ عَلَيْهِ قِصَاصٌ، وَخَرَجَ نَحْوُ عَاصٍ بِنَحْوِ سَفَرٍ لَا بِإِقَامَةٍ وَمَعْنَى خَافَ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ بِرُجْحَانٍ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَوْلِ نَحْوِ طَبِيبٍ. قَوْلُهُ: (مَرَضًا مَخُوفًا) وَكَذَا غَيْرَ مَخُوفٍ مِمَّا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَلَوْ بِانْقِطَاعٍ عَنْ رُفْقَةٍ أَوْ بُطْءِ بُرْءٍ، وَإِنْ دَامَ زَمَانًا طَوِيلًا. قَوْلُهُ: (وَوُجِدَ مُحَرَّمًا) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ غَيْرِ مُسْكِرٍ، وَيُقَدَّمُ غَيْرُ الْمُغَلَّظِ عَلَيْهِ.

قَالَ شَيْخُنَا وُجُوبًا وَيُخَيَّرُ بَيْنَ مَيْتَةِ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَعْتَمِدْ الْخَطِيبُ تَقْدِيمَ الْأَوْلَى وُجُوبًا.

تَنْبِيهٌ: يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ وُجُوبُ الِاجْتِهَادِ فِي اشْتِبَاهِ مَيْتَةِ بِمُذَكَّاةِ، وَفِي اشْتِبَاهِ مَيْتَةِ آدَمِيٍّ بِغَيْرِهَا، وَفِي اشْتِبَاهِ مَيْتَةِ غَيْرِ مُغَلَّظٍ بِمَيْتَتِهِ وَلَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِمَنْعِ الِاجْتِهَادِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي مَعْرِضِ التَّطَهُّرِ وَالْمِلْكِ وَمَا هُنَا فِي مَعْرِضِ التَّخْفِيفِ فِي النَّجَاسَةِ مَعَ أَنَّهُ رُبَّمَا يَشْمَلُهُ قَوْلُهُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ فِيمَا طَلَبَ مِنْهُ الَّذِي هُوَ الْأَكْلُ هُنَا فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ أَكْلُهُ) وَلَا يَجِبُ أَنْ يَتَقَيَّأَهُ إذَا وَجَدَ طَاهِرًا بَعْدَهُ وَخَرَجَ بِالْأَكْلِ التَّمْكِينُ مِنْ الزِّنَى فَلَا يَجُوزُ لِمُضْطَرَّةٍ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ. قَوْلُهُ: (سَدَّ رَمَقُهُ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا اخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَالْمُرَادُ بِالرَّمَقِ بَقِيَّةُ الرُّوحِ وَبِالْمُعْجَمَةِ فَالْمُرَادُ بِالرَّمَقِ قُوَّةُ الْبَدَنِ.

قَوْلُهُ: (فَيَشْبَعُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَيْ بِقَدْرِ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ لَا بِأَنْ لَا يَجِدَ لِلطَّعَامِ مَسَاغًا.

قَوْلُهُ: (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُضْطَرِّ بَلْ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِيهِ نَفْعٌ وَإِلَّا كَأَنْ وَصَلَ إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ فَلَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ: (أَكْلُ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ) أَيْ غَيْرِ مَيْتَةِ نَبِيٍّ فَيَمْتَنِعُ فِيهِ مُطْلَقًا وَلَا يُعَارِضُهُ كَوْنُ الْأَنْبِيَاءِ أَحْيَاءً لِأَنَّهُ أَمْرٌ أُخْرَوِيٌّ وَلَا يَجُوزُ لِكَافِرٍ أَكْلُ مَيْتَةِ مُسْلِمٍ مُطْلَقًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ جَنِينٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ النَّاسُ عَلَى إبَاحَتِهِ حَتَّى جَاءَ أَبُو حَنِيفَةَ فَحَرَّمَهُ أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهُ انْفَرَدَ بِذَلِكَ، قَوْلُهُ: (مُذَكَّاةٍ) شَمِلَ الْمَذْبُوحَةَ وَغَيْرَهَا مِنْ الصَّيْدِ وَالنَّادِّ.

قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ أَكْلُهُ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] ، قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يَجُوزُ) قَالَ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ الْوَرَعَ لِتَرَدُّدِهِ فِي الِانْتِهَاءِ إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ كَالْمَصُولِ عَلَيْهِ.

فَرْعٌ: إذَا أَكَلَ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الطَّاهِرِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَيْءُ قَوْلُهُ: (لِانْتِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ) أَيْ فَلَيْسَ مُضْطَرًّا بَعْدَ ذَلِكَ.

[أَكْلُ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ]

قَوْلُهُ: (وَلَهُ أَكْلُ إلَخْ) صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا قَتْلُ غَيْرِ الْمَعْصُومِ وَالْفِلْذَةِ، مِنْ بَدَنِ نَفْسِهِ فَقَضِيَّةُ مَتْنِ الْإِرْشَادِ الْجَوَازُ وَقَضِيَّةُ مَتْنِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015