(وَمَا لَا نَصَّ فِيهِ إنْ اسْتَطَابَهُ أَهْلُ يَسَارٍ وَطِبَاعٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الْعَرَبِ فِي حَالِ رَفَاهِيَةٍ حَلَّ، وَإِنْ اسْتَخْبَثُوهُ فَلَا وَإِنْ جَهِلَ اسْمَ حَيَوَانٍ سُئِلُوا عَنْهُ وَعُمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ) ، لَهُ مِمَّا هُوَ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ عِنْدَهُمْ اُعْتُبِرَ بِالْأَشْبَهِ بِهِ) فِي صُورَةٍ أَوْ طَبْعٍ أَوْ طَعْمِ لَحْمٍ. .
(وَإِذَا ظَهَرَ تَغَيُّرُ لَحْمِ جَلَّالَةٍ) مِنْ نَعَمٍ أَوْ دَجَاجٍ وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ الْيَابِسَةَ أَخْذًا مِنْ الْجَلَّةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ بِالرَّائِحَةِ وَالنَّتِنِ فِي عِرْقِهَا وَغَيْرِهِ. (حَرُمَ) أَكْلُهُ (وَقِيلَ يُكْرَهُ قُلْت الْأَصَحُّ يُكْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ عَنْ إيرَادِ أَكْثَرِهِمْ وَتَبِعَ فِي الْمُحَرَّرِ الْإِمَامَ وَالْبَغَوِيِّ وَالْغَزَالِيَّ فِي تَرْجِيحِهِمْ الْأَوَّلَ. (فَإِنْ عُلِفَتْ طَاهِرًا فَطَابَ لَحْمُهَا) بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ (حَلَّ) أَكْلُهُ بِالذَّبْحِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي لَبَنِهَا وَبَيْضِهَا وَعَلَى الْحُرْمَةِ يَكُونُ اللَّحْمُ نَجَسًا وَهِيَ فِي حَيَاتِهَا طَاهِرَةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَشُرْبِ أَلْبَانِهَا حَتَّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَالْبَيْهَقِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَفْظُ نَهَى يَصْدُقُ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ. .
(وَلَوْ تَنَجَّسَ طَاهِرٌ) مَائِعٌ (كَخَلِّ وَدِبْسٍ ذَائِبٍ) بِالْمُعْجَمَةِ (حَرُمَ) تَنَاوُلُهُ لِتَعَذُّرِ تَطْهِيرِهِ، وَفِي وَجْهٍ يَطْهُرُ الدُّهْنُ كَالزَّيْتِ يَغْسِلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ فَيَحِلُّ بَعْدَ غَسْلِهِ. .
(وَمَا كُسِبَ بِمُخَامَرَةِ نَجَسٍ كَحِجَامَةٍ وَكَنْسٍ) لِزِبْلٍ وَنَحْوِهِ (مَكْرُوهٌ) لِلْحُرِّ كَسَبَهُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ (وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ وَ) أَنْ (يُطْعِمَهُ رَقِيقُهُ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ كَسَبَهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِأَصْلِهِ الْحَرَامِ) وَمِنْهُ النَّهَّاسُ وَيُقَالُ لَهُ السِّمْعُ بِكَسْرِ السِّينِ مِنْ الضَّبُعِ وَالذِّئْبِ وَالزَّرَافَةِ لِمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (الْعَرَبُ) أَيْ اثْنَانِ مِنْهُمْ وَيُقَدَّمُ الْأَكْبَرُ فَقُرَيْشٌ وَالْعِبْرَةُ فِي كُلِّ زَمَنٍ بِأَهْلِهِ إنْ لَمْ يَسْبِقْ فِيهِ حِلٌّ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ أَوْ حُرْمَةٌ فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا فَهُوَ حَلَالٌ نَظَرًا لِأَصْلِهِ.
قَوْلُهُ: (فِي صُورَةٍ أَوْ طَبْعٍ أَوْ طَعْمِ لَحْمٍ) وَيُقَدَّمُ الطَّبْعُ فَالطَّعْمُ فَالصُّورَةُ.
فَائِدَةٌ: قَالَ الْقَزْوِينِيُّ: وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ «أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ فِي الْأَرْضِ أَلْفَ أُمَّةٍ سِتَّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعَمِائَةٍ فِي الْبَرِّ» ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حِبَّانَ: «إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى ثَمَانِينَ أَلْفَ عَالَمٍ أَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْبَرِّ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْبَحْرِ» .
قَوْلُهُ: (وَهِيَ الَّتِي إلَخْ) هُوَ تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى الْجَلَّالَةِ وَالْمُرَادُ مَا عُلِفَتْ بِنَجَسٍ مُطْلَقًا، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْعَذِرَةِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ إطْعَامُهُ لَهَا وَمِنْهُ شَاةٌ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنٍ نَحْوُ كَلْبَةٍ أَوْ أَتَانٍ وَسُقِيَ الزَّرْعُ بِالنَّجَسِ، مِثْلُ الْعَلْفِ بِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَخَرَجَ بِذَلِكَ بَيْضٌ صُلِقَ بِنَجَسٍ، وَزَرْعٌ نَبَتَ فِي نَجَسٍ فَلَا يُكْرَهُ وَخَرَجَ بِالنَّجَسِ الْمُتَنَجِّسُ فَلَا يُكْرَهُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَالنَّتِنُ) عَطْفُهُ عَلَى الرَّائِحَةِ تَفْسِيرٌ وَكَالرَّائِحَةِ الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ عُلِفَتْ طَاهِرًا) وَكَذَا بِنَجَسٍ أَوْ مُتَنَجِّسٍ وَخَرَجَ بِالْعَلَفِ زَوَالُ التَّغَيُّرِ بِالْغُسْلِ مَثَلًا، فَلَا تَزُولُ بِهِ الْكَرَاهَةُ.
قَوْلُهُ: (وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي لَبَنِهَا وَبَيْضِهَا) وَكَذَا عِرْقُهَا وَصُوفُهَا وَشَعَرُهَا وَجَنِينُهَا وَوَلَدُهَا. نَعَمْ لَا كَرَاهَةَ فِي لَبَنِ فَرَسٍ وَلَدَتْ بَغْلًا وَلَوْ فِي نَحْوِ لَحْمِ مَأْكُولَةٍ عُلِفَتْ حَرَامًا كَمَغْصُوبٍ وَمَسْرُوقٍ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) هَذَا بِالنَّظَرِ لِلْأَغْلَبِ مِنْ أَنَّ التَّغَيُّرَ يَزُولُ بِذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ أَكْلَةٍ يَمْكُثُ نَفْعُهَا فِي الْبَدَنِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلَوْ زَالَ التَّغَيُّرُ بِدُونِ ذَلِكَ أَوْ بِغَيْرِ عَلَفٍ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ، نَعَمْ مَا ذُكِرَ مَنْدُوبٌ فِي الْبَدَنَةِ وَيُنْدَبُ فِي الْبَقَرَةِ أَنْ تُعْلَفَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَفِي الشَّاةِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَفِي الدَّجَاجَةِ ثَلَاثَةً لِخَبَرٍ وَرَدَ بِذَلِكَ، وَلَوْ عَادَ التَّغَيُّرُ عَادَتْ الْكَرَاهَةُ. قَوْلُهُ: (يَصْدُقُ بِالْحُرْمَةِ الْكَرَاهَةُ) وَقُدِّمَتْ عَلَى الْحُرْمَةِ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى طَهَارَةِ الْمَعْلُوفَةِ بِذَلِكَ حَالَ الْحَيَاةِ وَلِأَنَّ التَّغَيُّرَ كَنَتِنِ اللَّحْمِ الْمُذَكَّى وَهُوَ لَا يَحْرُمُ مَا لَمْ يَضُرَّ.
قَوْلُهُ: (مَائِعٌ) قَيْدٌ لِيُنَاسِبَ كَلَامَ الْمُصَنِّفَ إذْ الْحُكْمُ فِي الْجَامِدِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (حُرِّمَ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْفُوًّا عَنْهُ كَبَوْلِ وَرَوْثِ بَقَرِ الدِّيَاسَةِ عَلَى الْحَبِّ فَلَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ، وَلَوْ جَمِيعَهُ إلَّا مَا عُلِمَ تَنَجُّسِهِ.
قَالَ شَيْخُنَا، وَيُنْدَبُ لَهُ إذَا أَكَلَ مَا لَمْ يَعْلَمْ طَهَارَتَهُ أَنْ يَغْسِلَ فَمَه مِنْهُ احْتِيَاطًا.
قَوْلُهُ: (بِمُخَامَرَةٍ) أَيْ بِمُبَاشَرَةٍ وَمُخَالَطَةٍ وَالْمُرَادُ بِالنَّجَسِ مَا فِيهِ نَجَاسَةٌ فَيَعُمُّ الْمُتَنَجِّسَ. قَوْلُهُ: (كَحِجَامَةٍ) لَا فَصَادَةٍ وَحِلَاقَةٍ وَمُشَاطَةٍ لِبَدَنٍ أَوْ غَيْرِهِ، بِطَاهِرٍ وَكَلَامُهُمْ شَامِلٌ لِكَرَاهَةِ مَا كُسِبَ بِالشِّيئَةِ الْمَعْمُولَةِ مِنْ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ لِلْكَتَّانِ. قَوْلُهُ: (وَكَنْسٍ لِزِبْلٍ) وَدَبْغٍ وَجِزَارَةٍ وَصِبَاغَةٍ بِغَيْرِ طَاهِرٍ لَا صِيَاغَةٍ لِنَحْوِ حُلِيٍّ وَلَا حِيَاكَةٍ وَلَا نَحْوِهِمَا مِنْ سَائِرِ الْحِرَفِ الْخَالِيَةِ عَنْ ذَلِكَ، وَأَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ ثُمَّ الصِّنَاعَةُ ثُمَّ التِّجَارَةُ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهِ) أَيْ الزِّبْلِ كَالْعَذِرَةِ وَالسِّرْقِينِ أَوْ نَحْوِ الْكَنْسِ مِمَّا تَقَدَّمَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِسَلَامَتِهِ مِنْ التَّكْرَارِ. قَوْلُهُ: (مَكْرُوهٌ لِلْحُرِّ) الْكَامِلِ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ) أَيْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْحُرُّ سَوَاءٌ الْكَاسِبُ لَهُ أَوْ غَيْرُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ أَكْلٍ كَصَدَقَةٍ أَوْ هَدِيَّةٍ فَتُكْرَهُ لَهُ بِذَلِكَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (وَمَا لَا نَصَّ فِيهِ إلَخْ) دَلِيلٌ هَذَا قَوْله تَعَالَى {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] أَيْ مَا تَسْتَطِيبُهُ النُّفُوسُ وَالْخِطَابُ مَعَ قَوْمِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ، لَهُمْ فِي ذَلِكَ تَبَعٌ وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِ شَخْصَيْنِ مِنْهُمْ، وَلَوْ اخْتَلَفَ مُخْبِرَانِ وَمُخْبِرَانِ فَالظَّاهِرُ التَّحْرِيمُ كَذَا فِي الزَّرْكَشِيّ وَفِي التَّصْحِيحِ مَا يُخَالِفُهُ فَلْيُرَاجَعْ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يُكْرَهُ) أَيْ لِأَنَّهَا كَاللَّحْمِ الْمُنْتِنِ، قَوْلُهُ: (فَإِنْ عُلِفَتْ طَاهِرًا) مِثْلُهُ الْمُتَنَجِّسُ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَوْ زَالَتْ الرَّائِحَةُ ثُمَّ عَادَتْ فَيُتَّجَهُ عَوْدُ النَّجَاسَةِ.