فَصْلٌ يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجُرْحُ غَيْرِهِ بِكُلِّ مُحَدَّدٍ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ أَيُّ شَيْءٍ لَهُ حَدٌّ (يُجْرَحُ كَحَدِيدٍ) أَيْ كَمُحَدَّدِ حَدِيدٍ (وَنُحَاسٍ وَذَهَبٍ وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ وَحَجَرٍ وَزُجَاجٍ) وَفِضَّةٍ وَرَصَاصٍ، (إلَّا ظُفُرًا وَسِنًّا وَسَائِرِ الْعِظَامِ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ» وَأَلْحَقَ بِهِمَا بَاقِي الْعِظَامِ وَمَعْلُومٌ مِمَّا سَيَأْتِي أَنَّ مَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ بِظُفُرِهِ أَوْ نَابَهُ حَلَالٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ، (فَلَوْ قَتَلَ بِمُثْقَلِ أَوْ ثَقْلٍ مُحَدَّدٍ كَبُنْدُقَةٍ وَسَوْطٍ وَسَهْمٍ بِلَا نَصْلٍ وَلَا حَدٍّ) ، هَذِهِ أَمْثِلَةٌ لِلْأَوَّلِ وَالسَّهْمُ بِنَصْلٍ أَوْ حَدٍّ قَتَلَ بِثَقْلِهِ مِنْ أَمْثِلَةِ الثَّانِي، (أَوْ) قَتَلَ (بِسَهْمٍ وَبُنْدُقَةٍ أَوْ جَرَحَهُ نَصْلٌ وَأَثَّرَ فِيهِ عَرْضُ السَّهْمِ فِي مُرُورِهِ وَمَاتَ بِهِمَا) ، أَيْ بِالْجُرْحِ وَالتَّأْثِيرِ (أَوْ انْخَنَقَ بِأُحْبُولَةٍ) وَهِيَ مَا يُعْمَلُ مِنْ الْحِبَالِ لِلِاصْطِيَادِ وَمَاتَ (أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ فَوَقَعَ بِأَرْضٍ) عَالِيَةٍ (أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمَاتَ (حَرُمَ) فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، (وَلَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ بِالْهَوَاءِ فَسَقَطَ بِأَرْضٍ وَمَاتَ حُمِلَ) وَفِي السَّقُوطَيْنِ لَا يَدْرِي الْمَوْتَ بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي.
وَكَذَا فِي مَسْأَلَتَيْ سَهْمٍ وَبُنْدُقَةٍ وَجُرْحٍ وَتَأْثِيرٍ فَغَلَبَ الثَّانِي الْمُحَرَّمَ فِي الثَّلَاثِ، وَحُرْمَةُ الْمُنْخَنِقِ وَالْمَقْتُولِ بِالْمُثْقَلِ أَوْ ثَقْلِ الْمُحَدَّدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ} [المائدة: 3] أَيْ الْمَقْتُولَةُ وَلَوْ كَانَتْ إصَابَةُ السَّهْمِ فِي الْهَوَاءِ بِغَيْرِ جُرْحٍ كَكَسْرِ جَنَاحِهِ حَرُمَ وَالْمُثَقَّلُ بِفَتْحِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ الثَّقِيلُ
(وَيَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ كَكَلْبٍ وَفَهْدٍ وَبَازٍ وَشَاهِينَ) وَالْمُرَادُ يَحِلُّ الْمُصْطَادُ بِهَا الْمُدْرَك مَيِّتًا، أَوْ فِي حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَالْمُحَرَّرِ قَالَ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4] . أَيْ صَيْدِهِ (بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُعَلَّمَةً بِأَنْ تَنْزَجِرَ جَارِحَةُ السِّبَاعِ بِزَجْرِ صَاحِبِهِ) فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ بَعْدَ شِدَّةِ عَدْوِهِ، (وَيَسْتَرْسِلُ بِإِرْسَالِهِ) أَيْ يَهِيجُ بِإِغْرَائِهِ (وَيَمْسِكُ الصَّيْدَ) لِيَأْخُذَهُ الصَّائِدُ (وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ) وَفِيمَا ذُكِرَ تَذْكِيرًا لِجَارِحَةٍ وَسَيَأْتِي تَأْنِيثُهَا نَظَرًا إلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــSفَصْلٌ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ مِنْ أَرْكَانِ الذَّبْحِ وَهُوَ آلَةُ الذَّبْحِ وَمَا مَعَهَا. قَوْلُهُ: (يَحِلُّ ذَبْحُ إلَخْ) هُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ إذْ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَذْبُوحَ مِنْ الْحَيَوَانِ تَحْصُلُ ذَكَاتُهُ الْمُحَلِّلَةُ لَهُ بِالْفِعْلِ أَصَالَةً أَوْ تَبَعًا كَمَا فِي الْجَنِينِ الْآتِي فِي الْأَطْعِمَةِ بِكُلِّ آلَةٍ تَجْرَحُ بِجُرْحِهِ بِهَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْهُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ دَوَامًا أَوْ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ، وَالْمَرِيءِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ حَرُمَ الْفِعْلُ أَوْ الْآلَةُ أَوْ كَانَتْ نَجِسَةً أَوْ مُتَنَجِّسَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ وَمِنْهَا خَيْطٌ قُطِعَ بِجَرِّهِ لَا بِخَنْقٍ. قَوْلُهُ: (وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) هُوَ قَيْدٌ لِلْأَكْمَلِ وَضَمِيرُ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ لِلْمَنْهُورِ أَيْ الْمَذْبُوحِ الْمَأْخُوذِ مِنْ أَنْهَرَ وَحِكْمَةُ الْمَنْعِ الْمَذْكُورِ فِي الظُّفُرِ، لِأَنَّهُ مُدَى الْمَجُوسِ وَأُلْحِقَ بِهِ السِّنُّ وَحِكْمَةُ الْمَنْعِ فِي الْعَظْمِ لِأَنَّهُ زَادُ الْجِنِّ غَالِبًا، فَلَا يُنَجَّسُ عَلَيْهِمْ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُونَ لَحْمَ الْمَيْتَةِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمَنْعُ فِي عَظْمِهَا حَسْمًا لِلْبَابِ، قَوْلُهُ: (فَلَا حَاجَةَ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ عَائِدٌ إلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْحَدِيثِ.
وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ بِعَظْمٍ مُعَلَّقٍ فِي قِلَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ فَرَاجِعْهُ وَالْوَجْهُ حُرْمَتُهُ. قَوْلُهُ: (وَبُنْدُقَةٍ) وَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِالْبُنْدُقِ فِي صَيْدٍ لَا يَمُوتُ بِهِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ كَالْعَصَافِيرِ وَالْبُنْدُقُ شَامِلٌ لِمَا كَانَ بِوَاسِطَةِ نَارٍ أَوْ لَا وَهُوَ مِثَالٌ فَكُلُّ مُثْقَلٍ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (عُرْضُ السَّهْمِ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ بِمَعْنَى الْجَانِبِ وَبِفَتْحِهَا مُقَابِلُ الطُّولِ وَبِكَسْرِهَا مَوْضِعُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنْ النَّاسِ. قَوْلُهُ: (بِأَرْضٍ عَالِيَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا مَا يُنْسَبُ مَوْتُهُ إلَى الْوُقُوعِ مِنْهَا عَلَى غَيْرِهَا، فَدَخَلَ مَا لَوْ وَقَعَ عَنْ غُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى آخَرَ، أَوْ أَصَابَهُ جُدْرَانُ حَائِطٍ فِي نَحْوِ بِئْرٍ وَقَعَ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ بِهَا مَاءٌ أَوْ لَا، وَمَا لَوْ انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ بِوُقُوعِهِ فِيهِ أَوْ بِالسَّهْمِ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ أَوْ الرَّامِي فِي هَوَاءِ الْمَاءِ أَوْ فِي الْمَاءِ أَوْ خَارِجًا عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (حَرُمَ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا) نَعَمْ إنْ كَانَ الْجُرْحُ مُذَفِّفًا فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، أَوْ كَانَتْ الْأُحْبُولَةُ فِي عُنُقِ الْجَارِحَةِ، وَإِنْ عُلِّمَتْ عَلَى الصَّيْدِ بِهَا أَوْ مَاتَ بِثِقَلِ الْجَارِحَةِ، كَمَا يَأْتِي لَمْ يَحْرُمْ وَخَرَجَ بِسَقَطَ مَا لَوْ تَدَحْرَجَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ الْجَبَلِ، فَلَا يَحْرُمُ كَمَا لَوْ كَانَ السُّقُوطُ قَرِيبًا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَوْتِ وَلَوْ مَاتَ بِشِدَّةِ عَدْوِهِ أَوْ فَزَعًا مِنْ الْجَارِحَةِ حَرُمَ. قَوْلُهُ: (فِي الْهَوَاءِ) وَلَوْ بِإِعَانَةِ الْهَوَاءِ لِلسَّهْمِ وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (بِأَرْضٍ) فَإِنْ سَقَطَ بِنَارٍ حَرُمَ أَوْ بِمَاءٍ فَقَدْ مَرَّ. قَوْلُهُ: (كَكَسْرِ جَنَاحٍ) وَمِثْلُهُ جُرْحٌ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِإِصَابَةِ السَّهْمِ فِي كَلَامِهِ،
قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ الِاصْطِيَادُ) لِغَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ حَالَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (بِجَوَارِحِ) أَيْ كَوَاسِبَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ} [الأنعام: 60] أَيْ كَسَبْتُمْ. قَوْلُهُ: (كَكَلْبٍ) أَوْ خِنْزِيرٍ وَإِنْ حَرُمَ اقْتِنَاؤُهُ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ إلَخْ) فَأَطْلَقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجُرْحُ غَيْرِهِ بِكُلِّ مُحَدَّدٍ]
فَصْلٌ يَحِلُّ ذَبْحٌ إلَى آخِرِهِ قِيلَ: الْأَحْسَنُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ بِكُلِّ مُحَدَّدٍ إلَخْ. قَوْلُهُ: (أَوْ انْخَنَقَ) كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهَا مَعَ مَسَائِلِ الْمَقْتُولِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، قَوْلُهُ: (عَالِيَةٍ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ تَعْبِيرُهُ بِالْوُقُوعِ بِالْأَرْضِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، قَوْلُهُ: (لَا يَدْرِي) أَقُولُ بَلْ لَوْ عَلِمْنَا أَنَّ الْمَوْتَ بِهِمَا حَرُمَ تَغْلِيبًا لِلْمُحْرِمِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَكَذَا قَدْ يُخَالِفُ قَوْلَ الْمَتْنِ أَوَّلًا وَمَاتَ بِهِمَا.
قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى) اسْتَدَلَّ أَيْضًا بِمَفْهُومِ حَدِيثِ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الزَّرْكَشِيّ حَيْثُ قَالَ بِالْكَسْرِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ إلَخْ) يَعْنِي أَمَّا وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ وَمِلْكُهُ بِغَيْرِ