فِي بَلَدِهِمْ ضِيَافَةُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ زَائِدًا عَلَى أَقَلِّ جِزْيَةٍ وَقِيلَ: يَجُوزُ مِنْهَا وَيَجْعَلُ) عَلَى الْأَوَّلِ (عَلَى غَنِيٍّ وَمُتَوَسِّطٍ لَا فَقِيرٍ فِي الْأَصَحِّ) ، وَالثَّانِي عَلَيْهِ أَيْضًا كَالْجِزْيَةِ (وَيَذْكُرُ عَدَدَ الضِّيفَانِ رِجَالًا وَفُرْسَانًا وَجِنْسَ الطَّعَامِ وَالْأُدُمِ وَقَدْرَهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا وَعَلَفَ الدَّوَابِّ وَمَنْزِلَ الضِّيفَانِ مِنْ كَنِيسَةٍ وَفَاضِلِ مَسْكَنٍ وَمُقَامِهِمْ وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَهْلَ أَيْلَةَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ وَعَلَى ضِيَافَةِ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» ، وَرَوَى الشَّيْخَانِ حَدِيثَ الضِّيَافَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالطَّعَامُ وَالْأُدْمُ كَالْخُبْزِ وَالسَّمْنِ وَالْعَلَفُ كَالتِّبْنِ وَالْحَشِيشِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ قَدْرِهِ وَإِنْ ذَكَرَ الشَّعِيرَ بَيَّنَ قَدْرَهُ وَلْيَكُنْ الْمَنْزِلُ بِحَيْثُ يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَلَا يُخْرِجُونَ أَهْلَ الْمَنَازِلِ مِنْهَا وَمُقَامُهُمْ بِضَمِّ الْمِيمِ أَوَّلَهُ اسْمُ زَمَانٍ أَيْ مُدَّةَ إقَامَتِهِمْ.
(وَلَوْ قَالَ قَوْمٌ: نُؤَدِّي الْجِزْيَةَ بِاسْمِ صَدَقَةٍ لَا جِزْيَةٍ فَلِلْإِمَامِ إجَابَتُهُمْ إذَا رَأَى) ذَلِكَ فَتَسْقُطُ عَنْهُمْ الْإِهَانَةُ (وَيُضَعِّفُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةَ) كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فَمِنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ شَاتَانِ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بِنْتَا مَخَاضٍ) وَأَرْبَعِينَ شَاةً شَاتَانِ (وَعِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةٌ وَخُمُسُ الْمُعَشِّرَاتِ وَلَوْ وَجَبَ بِنْتَا مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانَ) بَدَلَ بِنْتَيْ لَبُونٍ عِنْدَ فَقْدِهِمَا (لَمْ يُضَعِّفْ الْجُبْرَانَ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي يُضَعِّفُهُ فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ بِنْتِ مَخَاضٍ أَرْبَعَ شِيَاهٍ أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، (وَلَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ) بِحَيْثُ يُسَمَّى مُسَافِرًا وَلَيْسَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ، قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) قُيِّدَ لِلنَّدْبِ لَا لِلْجَوَازِ وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمَارِّ عَلَى الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا لِدِيَارِهِمْ أَوْ عَكْسُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ بِدَارِنَا أَوْ دَارِهِمْ، قَوْلُهُ: (زَائِدًا عَلَى أَقَلِّ جِزْيَةٍ) وَهُوَ الدِّينَارُ فَلَا يَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْهُ إذَا أَمْكَنَتْ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَذْكُرُ) وُجُوبًا عَدَدَ الضِّيفَانِ وَعَدَدَ أَيَّامِ الضِّيَافَةِ، كَمِائَةِ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ مَثَلًا وَقَدْرَ الْإِقَامَةِ، قَوْلُهُ: (وَجِنْسَ الطَّعَامِ) وَمِنْهُ الْفَاكِهَةُ وَالْحَلْوَى وَنَحْوُهُمَا فِي كُلِّ زَمَانٍ عَلَى الْعَادَةِ، وَيُلْزِمُهُمْ أُجْرَةُ طَبِيبٍ وَثَمَنُ دَوَاءٍ، قَوْلُهُ: (وَعَلَفَ الدَّوَابِّ) أَيْ جُمْلَتَهَا أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ مَثَلًا، وَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهَا وَهُمْ فِي الْجُمْلَةِ يُوَزَّعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَوْ يَتَحَمَّلُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَلَهُ أَنْ يُقَارِبَ بَيْنَهُمْ فِي الْقَدْرِ كَأَنْ يَجْعَلَ عَلَى وَاحِدٍ عَشَرَةً وَعَلَى آخَرَ دُونَهَا، قَوْلُهُ: (وَمَنْزِلَ الضِّيفَانِ) وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ رَفْعَ بَابِهِ لِيَدْخُلَهُ الْفَارِسُ رَاكِبًا مَثَلًا، قَوْلُهُ: (وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) نَدْبًا وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُعْطُوا الضَّيْفَ عِنْدَ رَحِيلِهِ كِفَايَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِهِمْ ضِيفَانٌ لَمْ يَلْزَمْهُمْ بَدَلُ الضِّيَافَةِ إلَّا إنْ شُرِطَ عَدَدٌ مَثَلًا فِي يَوْمٍ وَفَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْعَدَدِ. قَوْلُهُ: (أَيْلَةَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَبَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ هَاءٌ هُوَ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِالْعَقَبَةِ مِنْ مَنَازِلِ الْحَجِّ الْمِصْرِيِّ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْقَرْيَةِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف: 163] الْآيَةُ، وَأَمَّا إيلِيَاءُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَبَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ وَآخِرُهُ يَاءٌ مَفْتُوحَةٌ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَمْدُودَةٌ فَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ. قَوْلُهُ: (كَالْخُبْزِ وَالسَّمْنِ) وَالزَّيْتِ وَنَحْوِهَا لَا ذَبْحِ دَجَاجٍ وَنَحْوِهِ، قَوْلُهُ: (وَالْعَلَفِ كَالتِّبْنِ وَالْحَشِيشِ) وَالْقَتِّ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْتَاجُ) أَيْ إذَا ذَكَرَ جِنْسَ الْعَلَفِ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ قَدْرِهِ، قَوْلُهُ: (وَإِنْ ذَكَرَ الشَّعِيرَ) هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ ذِكْرِ الْقَدْرِ أَيْ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْقَدْرِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَلَفِ إلَّا فِي الشَّعِيرِ، إذَا ذَكَرَهُ قَالَ شَيْخُنَا لِكَوْنِهِ مِنْ الْحُبُوبِ الْمَكِيلَةِ وَيَنْبَغِي أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ الْفُولَ وَنَحْوَهُ كَذَلِكَ، قَوْلُهُ: (وَلَا يُخْرِجُونَ أَهْلَ الْمَنَازِلِ مِنْهَا) فَيَحْرُمُ وَمَتَى امْتَنَعُوا مِنْ شَيْءٍ مِمَّا شَرَطَهُ عَلَيْهِمْ مِمَّا ذُكِرَ انْتَقَضَ عَهْدُ الْمُمْتَنِعِ مِنْهُمْ إلَّا إذَا أَمْكَنَ الْأَخْذُ مِنْهُ بِالْإِجْبَارِ. قَوْلُهُ: (وَمُقَامَهُمْ بِضَمِّ الْمِيمِ أَوَّلُهُ اسْمُ زَمَانٍ أَيْ مُدَّةَ إقَامَتِهِمْ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ فَإِنَّهُ اسْمُ مَكَانِ الْإِقَامَةِ وَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَمَنْزِلَ الضِّيفَان إلَخْ،
قَوْلُهُ: (بِاسْمِ صَدَقَةٍ) أَيْ بِاسْمِ زَكَاةٍ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ فَلِلْإِمَامِ إجَابَتُهُمْ جَوَازًا قَوْلُهُ: (فَتَسْقُطُ عَنْهُمْ الْإِهَانَةُ) أَيْ لَا يَطْلُبُ فَيَمْتَنِعُ فِعْلُهَا عَلَى الْقَوْلِ بِهَا السَّابِقِ قَوْلُهُ: (وَيُضَعِّفُ عَلَيْهِمْ) مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ وَأَكْثَرَ بِقَدْرِ إمْكَانِهِ نَعَمْ لَا يُضَعِّفُ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَسَيَأْتِي وُجُوبُ التَّضْعِيفِ إذَا لَمْ يَفِ الْأَصْلُ بِالدِّينَارِ، قَوْلُهُ: (كَمَا فَعَلَ) أَيْ أَخَذَ كَذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَصَارَ إجْمَاعًا، قَوْلُهُ: (وَخُمُسُ الْمُعْشِرَاتِ) فِيمَا يَكُونُ وَاجِبُهُ الْعُشْرَ وَعُشْرُهَا فِيمَا وَاجِبُهُ نِصْفُ الْعُشْرِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُضَعِّفْ الْجُبْرَانَ) لِأَنَّهُ خِلَافُ قِيَاسٍ وَلِئَلَّا يَكْثُرَ التَّضْعِيفُ وَلِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنَّا وَمِنْهُمْ، فَلَوْ مَلَكَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا لَيْسَ فِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ أَعْطَى لَنَا بِنْتَيْ مَخَاضٍ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ أَعْطَى حِقَّتَيْنِ لَنَا وَأَخَذَ مِنَّا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَا ذُكِرَ وَهَذَا يَقْتَضِي.
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلَدِهِمْ) خَرَجَ بَلَدُنَا قَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ) الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ كَوْنِهَا مِنْ الْجِزْيَةِ وَعَدَمِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، فَإِذًا لَا خِلَافَ، قَوْلُهُ: (وَلِكُلِّ) قِيلَ: الْوَاوُ مُسْتَدْرَكَةٌ، قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ) هُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَصْلِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَعَلَى كَوْنِ ذَلِكَ خَارِجًا عَنْ الْجِزْيَةِ
قَوْلُهُ: (وَخُمُسُ الْمُعَشَّرَاتِ) أَيْ فِي الْمَسْقِيِّ بِلَا مُؤْنَةٍ، قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَجَبَ إلَخْ) إنَّمَا خَصَّ الْخِلَافَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ حِقَّتَيْنِ عَنْ سِتٍّ