بَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ (هُوَ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ لَهُ شَوْكَةٌ) بِجَمَاعَةٍ يَتَرَصَّدُونَ فِي الْمَكَامِنِ لِلرُّفْقَةِ فَإِذَا رَأَوْهُمْ بَرَزُوا قَاصِدِينَ لِلْأَمْوَالِ مُعْتَمِدِينَ فِي ذَلِكَ عَلَى قُوَّةٍ وَقُدْرَةٍ يَتَغَلَّبُونَ بِهَا حَيْثُ لَا غَوْثَ كَمَا سَيَأْتِي (لَا مُخْتَلِسُونَ يَتَعَرَّضُونَ لِآخِرِ قَافِلَةٍ) يَسْلُبُونَ شَيْئًا (يَعْتَمِدُونَ الْهَرَبَ) بِرَكْضِ الْخَيْلِ أَوْ الْعَدْوِ عَلَى الْأَقْدَامِ فَلَيْسُوا قُطَّاعًا لِانْتِفَاءِ الشَّوْكَةِ (وَاَلَّذِينَ يَغْلِبُونَ شِرْذِمَةً) بِإِعْجَامِ الذَّالِ (بِقُوَّتِهِمْ قُطَّاعٌ فِي حَقِّهِمْ لَا) قُطَّاعٌ (لِقَافِلَةٍ عَظِيمَةٍ) سَلَبُوا مِنْهُمْ شَيْئًا بَلْ مُخْتَلِسُونَ (وَحَيْثُ يَلْحَقُ غَوْثٌ) بِالْمُثَلَّثَةِ (لَيْسَ) ذَوُو الشَّوْكَةِ بِمَا ذُكِرَ (بِقُطَّاعٍ) بَلْ مُنْتَهِبُونَ (وَفَقْدُ الْغَوْثِ يَكُونُ لِلْبُعْدِ) عَنْ الْعِمَارَةِ (أَوْ لِضَعْفٍ) فِي أَهْلِهَا مَعَ الْقُرْبِ عَنْ الْإِغَاثَةِ (وَقَدْ يَغْلِبُونَ) أَيْ ذَوُو الشَّوْكَةِ (وَالْحَالَةُ هَذِهِ) أَيْ الضَّعْفُ (فِي بَلَدٍ فَهُمْ قُطَّاعٌ) وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ فَلَهُمْ حُكْمُ الْقُطَّاعِ وَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِمْ الذُّكُورَةُ فَالنِّسْوَةُ قَاطِعَاتُ طَرِيقٍ وَالْوَاحِدُ إذَا كَانَ لَهُ فَضْلُ قُوَّةٍ يَغْلِبُ بِهَا الْجَمَاعَةَ وَتَعْرِضُ لِلنُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ مُجَاهِرًا فَهُوَ قَاطِعُ طَرِيقٍ وَالْكُفَّارُ لَيْسَ لَهُمْ حُكْمُ الْقُطَّاعِ وَإِنْ أَخَافُوا السَّبِيلَ وَقَتَلُوا وَالْمُرَاهِقُونَ لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِمْ.
(وَلَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ قَوْمًا يُخِيفُونَ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا وَلَا) قَتَلُوا (نَفْسًا عَزَّرَهُمْ بِحَبْسٍ وَغَيْرِهِ) وَالْحَبْسُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِمْ أَوْلَى
(وَإِذَا أَخَذَ الْقَاطِعُ نِصَابَ السَّرِقَةِ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى فَإِنْ عَادَ فَيُسْرَاهُ وَيُمْنَاهُ وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ حَتْمًا)
ـــــــــــــــــــــــــــــSبَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ مِنْ الْقَطْعِ بِمَعْنَى الْمَنْعِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ مَنْعِ سُلُوكِ الْمَارَّةِ فَهُوَ الْبُرُوزُ لِأَخْذِ مَالٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ إرْعَابٍ عَلَى مَا يَأْتِي وَفِيهِ قَطْعُ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ وَقَدْرُ النِّصَابِ فِي السَّرِقَةِ فَذُكِرَ مَعَهَا وَأُخِّرَ عَنْهَا لِأَنَّهَا كَجُزْئِهِ وَعَبَّرَ بِالْقَاطِعِ دُونَ الْقَطْعِ لِأَجْلِ مَا بَعْدَهُ.
وَالْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ مَحَلُّ الْمُرُورِ وَلَوْ فِي دَاخِلِ الْأَبْنِيَةِ وَالدُّورِ وَلَهُمْ بِاعْتِبَارِ فِعْلِهِمْ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ مِنْ أَصْلِ تِسْعَةٍ، لِأَنَّهَا مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ الْقَتْلِ، وَأَخْذِ الْمَالِ وَالْإِخَافَةِ فِي مِثْلِهَا يَسْقُطُ مِنْهَا خَمْسَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ نَفْسِهِ وَالْإِخَافَةُ مَعَ الْقَتْلِ أَوْ مَعَ أَخْذِ الْمَالِ وَيَبْقَى أَرْبَعَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مُنْفَرِدٌ أَوْ جَمْعُ الْقَتْلِ مَعَ أَخْذِ الْمَالِ فَتَأَمَّلْ. وَيَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ لَا بِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ يَمِينٍ، قَوْلُهُ: (مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ) وَلَوْ رَقِيقًا وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُمَا قَوْلُهُ: (بِجَمَاعَةٍ) قُيِّدَ لِمُنَاسَبَةِ مَا بَعْدَهُ وَسَيُذْكَرُ مُحْتَرَزُهُ، قَوْلُهُ: (لِلْأَمْوَالِ) قُيِّدَ لِلْغَالِبِ كَمَا عُلِمَ قَوْلُهُ: (شِرْذِمَةً) وَلَوْ مُسَاوِيَةً لَهُمْ قَوْلُهُ: (بِالْمُثَلَّثَةِ) وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَقِيلَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ قَوْلُهُ: (ذَوُو) بِوَاوَيْنِ جَمْعًا وَفِي نُسْخَةٍ بِوَاوٍ مُفْرَدًا فِي مَعْنَى الْجَمْعِ وَفِي نُسْخَةٍ لَيْسُوا وَهِيَ أَوْضَحُ لِمُنَاسَبَةِ الْخَبَرِ وَلَا حَاجَةَ لِلتَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَعَهَا، وَأَرَادَ بِمَا ذُكِرَ الْقُوَّةُ وَلَوْ جَعَلَ ضَمِيرَ لَيْسَ عَائِدًا لِلَّذِينَ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ لَكَانَ أَقْرَبَ فَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (لِضَعْفٍ فِي أَهْلِهَا) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْقُطَّاعِ وَإِنْ كَانُوا أَقْوِيَاءَ فِي ذَاتِهِمْ وَلِذَلِكَ لَوْ دَخَلُوا دَارًا وَمَنَعُوا أَهْلَهَا مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ وَلَوْ بِالسُّلْطَانِ، وَلَوْ مَعَ قُرْبِهِ وَقُوَّتِهِ فَهُمْ قُطَّاعٌ فِي حَقِّهِمْ كَمَا عُلِمَ قَوْلُهُ: (أَيْ الضَّعْفُ) وَسَكَتَ عَنْ الْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ وَكَانَ الْوَجْهُ ذِكْرَهُ، وَمَا قِيلَ إنَّهُ سَكَتَ عَنْهُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ مَمْنُوعٌ إذْ لَا يَبْعُدُ اسْتِغَاثَةُ أَهْلِ بَلَدٍ بِأَهْلِ بَلَدٍ أُخْرَى فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ إلَخْ) وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ قَوْلُهُ: (وَالْوَاحِدُ) وَلَوْ أُنْثَى وَهَذَا مَفْهُومُ مَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ بِجَمَاعَةٍ، قَوْلُهُ: (وَالْكُفَّارُ) وَلَوْ وَاحِدًا وَهَذَا مَفْهُومٌ مُسْلِمٌ فِيمَا مَرَّ وَكَوْنُهُمْ لَيْسَ لَهُمْ حُكْمُ الْقُطَّاعِ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ مَنْ لَهُمْ ذِمَّةٌ، وَإِلَّا فَلَهُمْ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا ذُكِرَ، قَوْلُهُ: (وَالْمُرَاهِقُونَ) وَلَوْ وَاحِدًا وَهَذَا مَفْهُومُ مُكَلَّفٌ فِيمَا مَرَّ، وَاسْتِثْنَاؤُهُمْ مِنْ الْقَطْعِ فَقَطْ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ حُكْمُ الْقُطَّاعِ مِنْ حَيْثُ غَرَامَةِ الْمَالِ وَبَذْلِ النَّفْسِ، قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَلِمَ إلَخْ) فَلَهُ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِ قَوْلُهُ: (قَوْمًا) وَلَوْ وَاحِدًا.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا) أَيْ نِصَابًا قَوْلُهُ: (عَزَّرَهُمْ) وُجُوبًا إنْ لَمْ يَرَ الْمَصْلَحَةَ فِي عَدَمِهِ قَوْلُهُ: (بِحَبْسٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِمْ) كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْأَوْلَى اسْتِدَامَتُهُ إلَى ظُهُورِ تَوْبَتِهِمْ،
قَوْلُهُ: (نِصَابَ السَّرِقَةِ) فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ بِالذَّهَبِ الْمَضْرُوبِ وَإِنْ كَانَ النِّصَابُ مِنْ جَمْعٍ مُشْتَرَكِينَ فِيهِ وَكَوْنُ أَخْذِ الْمَالِ مِنْ حِرْزِ مُسْلِمٍ وَعَدَمِ الشُّبْهَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَوَقُّفُ الْقَطْعِ عَلَى طَلَبِ الْمَالِ وَسُقُوطِهِ بِمَا يَسْقُطُ بِهِ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ، وَثُبُوتُهُ بِمَا تَثْبُتُ بِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (يَدُهُ الْيُمْنَى) أَيْ لِلْمَالِ كَالسَّرِقَةِ وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى لِلْمُحَارَبَةِ وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْيَدُ أَوْ الرِّجْلُ فَكَمَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ وَلَوْ فُقِدَتْ إحْدَاهُمَا اكْتَفَى بِالْبَاقِيَةِ وَلَوْ فُقِدَتَا مَعًا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِمَا بَعْدَهُمَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ]
ِ قَوْلُهُ: (هُوَ مُسْلِمٌ) خَرَجَ الْكَافِرُ وُقُوفًا مَعَ مَوْرِدِ الْآيَةِ لَكِنْ اعْتَمَدَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ اعْتِبَارَ الِالْتِزَامِ لِلْأَحْكَامِ لِيَدْخُلَ الذِّمِّيُّ، قَوْلُهُ: (فَلَيْسُوا قُطَّاعًا) أَيْ بَلْ حُكْمُهُمْ فِي الْقِصَاصِ وَالضَّمَانِ كَغَيْرِهِمْ، قَوْلُهُ: (وَاَلَّذِينَ يَغْلِبُونَ) بَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ شَرْطَ الشَّوْكَةِ بِالنَّظَرِ لِمَنْ يَخْرُجُونَ عَلَيْهِمْ لَا مُطْلَقًا، قَوْلُهُ: (بِمَا ذُكِرَ) رَاجِعْ لِقَوْلِهِ الشَّوْكَةِ، قَوْلُهُ: (لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِمْ) أَيْ وَلَكِنْ يَضْمَنُ النَّفْسَ وَالْمَالَ وَإِنَّمَا اخْتَصَّ الْمُعْتَمَدُ الْقُوَّةُ بِالتَّغْلِيظِ لِغِلَظِ جِنَايَتِهِ حَيْثُ اعْتَمَدَ قُوَّتَهُ بِخِلَافِ مَنْ يَعْتَمِدُ الْهَرَبَ، قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَلِمَ) يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِالْعِلْمِ هُنَا وَقَدْ يُقَالُ مَا فِيهِ مِنْ حَقِّ الْآدَمِيّ سَوَّغَ ذَلِكَ، قَوْلُهُ: (قَوْمًا يُخِيفُونَ) الْأَوَّلُ مَفْعُولٌ أَوَّلٌ وَالثَّانِي مَفْعُولٌ ثَانٍ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قَوْمًا نَكِرَةٌ فَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مَفْعُولًا أَوَّلُ لِعَلِمَ، قَوْلُهُ: (وَلَا قُتِلُوا) يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَضْمَنَ يَأْخُذُوا مَعْنَى يُتْلِفُوا فَيُسْتَغْنَى عَنْ هَذَا، قَوْلُهُ: (بِحَبْسٍ وَغَيْرِهِ) ظَاهِرُهُ وُجُوبُ ذَلِكَ كَقَتْلِ