كِتَابُ الزِّنَى بِالْقَصْرِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (إيلَاجُ الذَّكَرِ بِفَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ خَالٍ عَنْ الشُّبْهَةِ مُشْتَهًى) يَعْنِي هُوَ مُسَمَّى الزِّنَى (يُوجِبُ الْحَدَّ) أَيْ وَهُوَ الرَّجْمُ الْقَاتِلُ فِي الْمُحْصَنِ وَالْجَلْدُ وَالتَّغْرِيبُ فِي غَيْرِهِ، كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُعْتَبَرُ إيلَاجُ قَدْرِ الْحَشَفَةِ وَالْمُرَادُ بِالْفَرْجِ الْقُبُلُ (وَدُبُرُ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) أَجْنَبِيَّةٍ (كَقُبُلٍ) فَيُوجِبُ الْإِيلَاجَ فِيهِ وَهُوَ اللِّوَاطُ الْحَدَّ (عَلَى الْمَذْهَبِ) كَالزِّنَى فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ غَيْرُهُ، وَفِي قَوْلٍ يُقْتَلُ فَاعِلُهُ بِالسَّيْفِ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَفِي طَرِيقٍ أَنَّ الْإِيلَاجَ فِي دُبُرِ الْمَرْأَةِ زِنًى (وَلَا حَدَّ بِمُفَاخَذَةٍ) بِإِعْجَامِ الذَّالِ وَنَحْوِهَا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ (وَوَطْءِ زَوْجِهِ) بِهَاءِ الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْجِيمِ وَبِالتَّاءِ الْفَوْقَانِيَّةِ الْمُنَوَّنَةِ (وَأَمَتِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِعَارِضٍ (وَكَذَا أَمَتُهُ الْمُزَوَّجَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ) قَطْعًا وَقِيلَ فِي الْأَظْهَرِ.
(وَكَذَا مَمْلُوكَتُهُ الْمَحْرَمِ بِرَضَاعٍ) أَوْ نَسَبٍ كَأُخْتِهِ مِنْهُمَا وَبِنْتِهِ وَأُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ مُصَاهَرَةٍ كَمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ (وَمُكْرَهٌ فِي الْأَظْهَرِ) لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَالْإِكْرَاهِ، وَالثَّانِي يُنْظَرُ إلَى الْمَحْرَمِيَّةِ الَّتِي لَا يُسْتَبَاحُ الْوَطْءُ مَعَهَا بِحَالٍ وَيَقُولُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSكِتَابُ الزِّنَى أَخَّرَهُ عَنْ الْقَتْلِ وَالرِّدَّةِ لِأَنَّهُ دُونَهُمَا وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَمِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ وَمِنْ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا لَمْ تُقْطَعْ آلَتُهُ كَالسَّرِقَةِ حِفْظًا لِبَقَاءِ النَّسْلِ مَعَ أَمْنِ تَمَادِيهِ لِظُهُورِهِ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ، فِي قَتْلِ الْمُرْتَدِّ. قَوْلُهُ: (بِالْقَصْرِ) أَيْ عَلَى الْأَفْصَحِ وَهِيَ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ، وَبِالْمَدِّ لُغَةٌ تَمِيمِيَّةٌ وَهُوَ لُغَةً مُطْلَقُ الْإِيلَاجِ فِي مُطْلَقِ الْفَرْجِ، أَوْ فِي قُبُلِ الْآدَمِيِّ خَاصَّةً وَكَلَامُ الشَّارِحِ ظَاهِرٌ فِي هَذَا وَلِذَلِكَ يُقَالُ فِي الدُّبُرِ لِوَاطٌ وَفِي الْبَهِيمَةِ إتْيَانٌ وَشَرْعًا مَا ذَكَرَهُ قَالَهُ ابْن حَجَرٍ وَكَلَامٌ الشَّارِحِ يُوَافِقُهُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ أَيْ شَرْعًا مَا ذَكَرَهُ إلَخْ. وَفِيهِ تَأَمُّلٌ.
قَوْلُهُ: (الذَّكَرِ) مِنْ الْآدَمِيِّ الْأَصْلِيِّ الْمُتَّصِلِ فِي فَرْجٍ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ آدَمِيٍّ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْإِيلَاجَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، وَمِنْ غَيْرِهِ فِيهِ وَمِنْهُ فِيهِ كَأَنْ أَوْلَجَ ذَكَرَ نَفْسِهِ فِي دُبُرِ نَفْسِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَزَادَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ تَتَعَلَّقُ بِهِ، كَفِطْرِ صَائِمٍ وَفَسَادِ نُسُكٍ وَوُجُوبِ كَفَّارَةٍ فِيهِمَا مَعَ الْحَدِّ وَوُجُوبِ غُسْلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَوَافَقَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَهُوَ صَرِيحٌ مَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ. قَوْلُهُ: (مُشْتَهًى) أَيْ جِنْسُهُ لِيَدْخُلَ الصَّغِيرَةُ. قَوْلُهُ: (يَعْنِي إلَخْ) هُوَ كَالصَّرِيحِ فِي فَسَادِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اسْمَهُ مَعْلُومٌ مِنْ كَوْنِهِ الْمُبَوِّبَ لَهُ وَيُصَرِّحُ بِهِ مَا مَرَّ، بِقَوْلِهِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ مَعَ أَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ مُعَلَّقٌ بِهِ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُعَلِّلَهُ بِهِ، وَقَدْ يُقَالُ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى إخْرَاجِ اللِّوَاطِ الشَّامِلِ لَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مِنْ حَيْثُ التَّسْمِيَةِ لُغَةً بِدَلِيلِ تَقْيِيدِهِ الْفَرْجَ بِالْقُبُلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي الدُّبُرِ طَرِيقَيْنِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (قَدْرِ الْحَشَفَةِ) الصَّوَابُ إسْقَاطُ لَفْظِ قَدْرِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِهَا مَعَ وُجُودِهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ حَدِّ الِاعْتِدَالِ وَكَذَا يُعْتَبَرُ قَدْرُهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا وَيُعْتَبَرُ قَدْرُهَا مُعْتَدِلَةً مِنْ أَقْرَانِ فَاقِدِهَا خِلْقَةً فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ إلَخْ) خَصَّهُ لِلتَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ وَلِأَجْلِ التَّسْمِيَةِ السَّابِقَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ. قَوْلُهُ: (أَجْنَبِيَّةٍ) أَيْ غَيْرِ حَلِيلَتِهِ أَمَّا هِيَ فَدُبُرُهَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ مُطْلَقًا وَلَكِنَّهُ يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَيُعَزَّرُ بِهِ فِي غَيْرِ الْمَرَّةِ الْأُولَى وَلَيْسَ كَبِيرَةً فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ جَوَازَهُ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ كَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَنُوزِعَ فِي ذَلِكَ النَّقْلِ وَتَبَرَّأَ شَيْخُنَا مِنْ تِلْكَ النِّسْبَةِ وَشَمِلَ الذِّكْرُ عَبْدَهُ فَيُحَدُّ بِوَطْئِهِ فِي دُبُرِهِ. قَوْلُهُ: (كَالزِّنَى) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى زِنًى وَيَدُلُّ لَهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ، وَهَذَا مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ فَهُوَ زِنًى شَرْعًا، وَلِذَلِكَ يَحْنَثُ فِيهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَزْنِي. قَوْلُهُ: (فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ) أَيْ الْفَاعِلُ وَأَمَّا الْمَفْعُولُ فَيُجْلَدُ مُطْلَقًا، وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ذِكْرَ الْخِلَافِ وَالتَّعْبِيرَ بِالْمَذْهَبِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِنَّ كَوْنَهُ لَا يُسَمَّى زِنًى لُغَةً لَا خِلَافَ فِيهِ أَيْضًا، إلَّا فِي دُبُرِ الْأُنْثَى فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَبِالتَّاءِ الْفَوْقَانِيَّةِ) أَيْ بَدَلًا مِنْ الْهَاءِ لَا مَعَهَا، وَكَانَ حَقُّهُ ذِكْرَ الْبَدَلِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ التَّعْبِيرَ بِأَوْ فَتَأَمَّلْ وَسَوَاءٌ فِي الْوَطْءِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ.
تَنْبِيهٌ: أَحْكَامُ الْجِنِّ تُبْنَى عَلَى حِلِّ مُنَاكَحَتِهِمْ وَعَدَمِهَا فَلْيُرَاجَعْ مِنْ مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ فِي الْأَظْهَرِ) فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِعَدَمِ ذِكْرِ الْخِلَافِ الَّذِي هُوَ طُرُقٌ وَلَيْسَ فِي الْفَصْلِ بِكَذَا إشَارَةٌ إلَيْهِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (مَمْلُوكَةُ الْمَحْرَمِ) وَكَذَا الْمُشْتَرَكَةُ وَلَوْ فِي دُبُرِهِمَا بِخِلَافِ أَمَةِ بَيْتِ الْمَالِ فَيُحَدُّ لِضَعْفِ الشُّبْهَةِ فِيهَا، وَمَنْ ظَنَّهَا مُشْتَرَكَةً فَبَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَيُحَدُّ بِهَا لِأَنَّ حَقَّهُ الْمَنْعُ. قَوْلُهُ: (لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ) رَاجِعٌ لِأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ وَالْمَمْلُوكِ الْمَحْرَمِ وَالْخِلَافُ فِي الْمَحْرَمِ فَقَطْ، بِدَلِيلِ الْمُقَابِلِ وَلَوْ رَجَعَ الْمَسْأَلَةَ لِلزَّوْجَةِ أَيْضًا، وَيُرَادُ بِالْمِلْكِ مَا يَعُمُّ الرَّقَبَةَ وَالِانْتِفَاعَ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا وَلَا يُنَافِيهِ تَعْلِيلُ الزَّوْجَةِ السَّابِقُ وَهَذِهِ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحَلِّ وَخَرَجَ بِهَا شُبْهَةُ الظَّنِّ، كَأَنْ ظَنَّهَا حَلِيلَتَهُ فَلَا تُسْقِطُ الْحَدَّ كَمَا عُلِمَ.
قَوْلُهُ: (وَالْإِكْرَاهِ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَاب الزِّنَى]
قَوْلُهُ: (خَالٍ عَنْ الشُّبْهَةِ) قَيْدٌ مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّ مُحَرَّمٍ يُغْنِي عَنْهُ إذَا وَطِئَ الشُّبْهَةَ لَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا تَحْرِيمٍ، قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ) لِحَدِيثِ «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوهُ» .
قَوْلُهُ: (وَفِي طَرِيقٍ إلَخْ) أَيْ فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الزِّنَى بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ مِنْ هُنَا تَعْلَمُ أَنَّ مَسْأَلَةَ دُبُرِ الذَّكَرِ لَيْسَ فِيهَا طُرُقٌ، قَوْلُهُ: (وَوَطْءِ زَوْجَةٍ) شُبْهَةِ مَحَلٍّ قَوْلُهُ: (وَمُكْرَهٍ) شُبْهَةُ فَاعِلٍ قَوْلُهُ: (وَيَقُولُ الِانْتِشَارُ) مِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ عِنْدَ الِانْتِشَارِ وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا عَدَمُ الْخِلَافِ فِي الْمَرَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ.
فَائِدَةٌ: الزِّنَى لَا يَحِلُّ بِالْإِكْرَاهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ سَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ نَفْيَ الْإِثْمِ عَنْ الْمَرْأَةِ وَنَسَبَهُ لِلْقُضَاةِ، قَوْلُهُ: (وَكَذَا