وَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَوْ كَانَ الرَّامِي نَفْسُهُ صَبِيًّا وَقُلْنَا عَمْدُهُ خَطَأٌ ضَمِنَهُ التَّابِعُ لَهُ
(وَلَوْ سُلِّمَ صَبِيٌّ إلَى سَبَّاحٍ لِيُعَلِّمَهُ) السِّبَاحَةَ أَيْ الْعَوْمَ (فَغَرِقَ وَجَبَتْ دِيَتُهُ) لِأَنَّ غَرَقَهُ بِإِهْمَالِ السَّبَّاحِ وَهِيَ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَأَنَّ الْمُسَلِّمَ الْوَلِيُّ
(وَيَضْمَنُ بِحَفْرِ بِئْرٍ عُدْوَانٍ) أَيْ الْحَفْرِ مَا يَتْلَفُ فِيهَا مِنْ الْمَالِ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَتَضْمَنُهُ الْعَاقِلَةُ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الضَّمَانِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ (لَا) حَفْرٍ (فِي مِلْكِهِ وَمَوَاتٍ) لِلتَّمَلُّكِ أَوْ الِارْتِفَاقِ فَإِنَّهُ غَيْرُ عُدْوَانٍ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ.
(وَلَوْ حَفَرَ بِدِهْلِيزِهِ بِئْرًا وَدَعَا رَجُلًا) فَدَخَلَهُ (فَسَقَطَ) فِيهَا فَهَلَكَ، (فَالْأَظْهَرُ ضَمَانُهُ) لِأَنَّهُ غَرَّهُ، وَالثَّانِي لَا ضَمَانَ فِيهِ لِأَنَّ الْمَدْعُوَّ غَيْرُ مُلْجَأٍ (أَوْ) حَفَرَ (بِمِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ مُشْتَرَكٍ بِلَا إذْنٍ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (فَمَضْمُونٌ) أَيْ حَفْرُهُ فِيهِمَا (أَوْ حَفَرَ بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ يَضُرُّ الْمَارَّةَ فَكَذَا) ، أَيْ هُوَ مَضْمُونٌ وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ وَلَيْسَ لَهُ الْإِذْنُ فِيمَا يَضُرُّ وَالثَّلَاثُ مِنْ الْعُدْوَانِ (أَوْ لَا يَضُرُّ) الْمَارَّةَ (وَأَذِنَ الْإِمَامُ) فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (وَقُلْنَا عَمْدُهُ خَطَأٌ) أَيْ عَلَى الْمَرْجُوحِ إذْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ عَمْدَهُ عَمْدٌ فَلَا يَضْمَنُهُ التَّابِعُ وَمِنْ ذَلِكَ يَعْلَمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي صَبِيٍّ لَهُ قَصْدٌ وَإِلَّا ضَمِنَهُ قَطْعًا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ سَلَّمَ صَبِيٌّ) فَبِغَيْرِ تَسْلِيمٍ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْأَوْلَى وَخَرَجَ الصَّبِيُّ الْبَالِغُ فَغَيْرُ مَضْمُونٍ إلَّا إنْ دَخَلَ بِهِ السَّبَّاحُ إلَى مَحَلِّ الْغَرَقِ وَتَرَكَهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِهِ مَثَلًا فَيَضْمَنُهُ بِالْقَوَدِ إلَّا لِعُذْرٍ، كَغَلَبَةٍ فَلَا ضَمَانَ، قَالَ شَيْخُنَا وَلَعَلَّ الْمُرَادَ لَا ضَمَانَ بِالْقَوَدِ، وَيَنْبَغِي ضَمَانُهُ بِالدِّيَةِ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِإِدْخَالِهِ لِمَا ذُكِرَ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (الْعَوْمَ) وَهُوَ عِلْمٌ لَا يُنْسَى قَوْلُهُ: (بِإِهْمَالِ السَّبَّاحِ) وَمِنْهُ مَا لَوْ أَمَرَ شَخْصٌ الصَّبِيَّ بِدُخُولِ الْمَاءِ، فَدَخَلَهُ مُخْتَارًا فَغَرِقَ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى الْآمِرِ، قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَمَشَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ عَمْدَهُ عَمْدٌ إلَّا إنْ حُمِلَ عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ الْآمِرِ، أَوْ عَلَى غَيْرِ مُمَيِّزٍ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْعَاقِلَةِ) أَيْ عَلَى عَاقِلَةِ السَّبَّاحِ فَقَطْ، لَا عَاقِلَةِ الْوَلِيِّ وَلَوْ مُتَعَدِّيًا بِتَسْلِيمِهِ، وَكَذَا لَوْ سَلَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ لِأَنَّ السَّبَّاحَ مُبَاشِرٌ. قَوْلُهُ: (وَأَنَّ الْمُسَلِّمَ الْوَلِيُّ) هُوَ قَيْدٌ لَا مَفْهُومَ لَهُ مِنْ حَيْثُ الضَّمَانُ كَمَا عُلِمَ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْجَوَازُ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْحَفْرُ) أَفَادَ أَنَّ لَفْظَ عُدْوَانٍ صِفَةٌ لِلْحَفْرِ قَبْلَهُ لَا مُضَافٌ لِلْبِئْرِ وَلَا صِفَةٌ لَهَا لِعَدَمِ صِحَّتِهِمَا، لَكِنْ مُقْتَضَاهُ تَضْمِينُ الْمُتَآمِرِ وَسَيَأْتِي خِلَافُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ لِإِصْلَاحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمَالِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ الضَّمَانَ لِإِسْنَادِهِ إلَى الْحَافِرِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَالِ غَيْرُ الرَّقِيقِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَالْحُرِّ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا الْقَوْلُ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْمَالِ عَلَى الْحَافِرِ وَنَحْوَهُ، وَبِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ. قَوْلُهُ: (لَا فِي مِلْكِهِ) أَيْ فِيمَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ أَوْ مَنْفَعَتَهُ فَيَشْمَلُ الْمُؤَجِّرَ وَالْمُسْتَأْجَرَ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَالْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ، نَعَمْ لَوْ حَفَرَ فِي مِلْكِهِ فِي الْحَرَمِ وَوَقَعَ فِيهِ صَيْدٌ ضَمِنَهُ.
قَوْلُهُ: (وَدَعَا إلَخْ) خَرَجَ الْمُتَعَدِّي بِالدُّخُولِ فَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَلَوْ رَقِيقًا. قَوْلُهُ: (رَجُلًا) هُوَ مِثَالٌ فَالْأُنْثَى وَالصَّبِيُّ وَالْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ أَوْ لِإِفَادَةِ أَنَّ غَيْرَهُ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ غَيْرَهُ) فَهُوَ جَاهِلٌ بِهَا مَعْذُورٌ فَلَوْ رَآهَا أَوْ أَعْلَمَهُ بِهَا، أَوْ كَانَتْ ظَاهِرَةً أَوْ فِي مُنْعَطَفٍ وَانْحَرَفَ إلَيْهَا فَلَا ضَمَانَ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ بِكَلْبٍ عَقُورٍ مَرْبُوطٍ بِدِهْلِيزِهِ، أَوْ سِقَايَةٍ فِيهِ أَوْ عَلَى بَابِهِ فِيهِمَا وَلَا بِتَعْلِيقِ قِنْدِيلٍ كَذَلِكَ، وَلَا بِفَرْشِ حَصِيرٍ أَوْ حَشِيشٍ كَذَلِكَ، وَلَا بِنَصْبِ عَمُودٍ أَوْ سَقْفٍ كَذَلِكَ، وَلَا بِتَطْيِينِ جِدَارٍ تَلِفَ بِهِ مَلْبُوسٌ مُلَاصَقَةً.
قَوْلُهُ: (وَالثَّلَاثَةُ مِنْ الْعُدْوَانِ) فَهِيَ أَمْثِلَةٌ لَهُ وَالْأَنْسَبُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ وَيَزُولُ التَّعَدِّي فِي الْأُولَى بِمَنْعِ الْمَالِكِ مِنْ طَمِّهَا أَوْ بِرِضَاهُ بِبَقَائِهَا، أَوْ بِمِلْكِ الْحَافِرِ لِمَحَلِّهَا وَكَذَا يُقَالُ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَتَصْدِيقُ الْمَالِكِ عَلَى الْإِذْنِ بَعْدَ التَّرَدِّي لَا يَدْفَعُ الضَّمَانَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ، قَوْلُهُ: (وَأَذِنَ الْإِمَامُ) وَلَوْ بِنَائِبِهِ وَمِثْلُهُ الْقَاضِي كَمَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَتَقْرِيرُهُ كَإِذْنِهِ، فَإِنْ نَهَى ضَمِنَ الْحَافِرُ مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ إلَخْ) لَعَلَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ وَسُكُوتُ الشَّارِحِ عَنْهُ فِي الْأُولَى يُرْشِدُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا ضَمَان) أَيْ إنْ أَحْكَمَ رَأْسَهَا، وَإِلَّا فَيَضْمَنُ مُطْلَقًا، وَلَوْ فَتَحَهَا غَيْرُهُ بَعْدَ سَدِّهَا أَوْ حَفَرَهَا بَعْدَ طَمِّهَا، فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ وَحْدَهُ وَلَوْ زَادَ فِي حَفْرِ غَيْرِهِ فَطَيُّهُمَا مَعًا سَوِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ حَفْرُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْسَهُ فِي بِئْرٍ وَنَحْوِهَا.
قَوْلُهُ: (وَأَنَّ الْمُسَلِّمَ الْوَلِيُّ) فِي الزَّرْكَشِيّ لَوْ سَلَّمَهَا أَجْنَبِيٌّ فَهُمَا شَرِيكَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَوْلُهُ: (عُدْوَانٌ) أَيْ لَوْ كَانَ التَّرَدِّي بَعْدَ مَوْتِ الْحَافِرِ وَلَوْ تَرَدَّى فَلَمْ يَمُتْ ثُمَّ مَاتَ جُوعًا، فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ زَالَ التَّعَدِّي كَأَنْ اشْتَرَى الْبِئْرَ مِنْ مَالِكِهَا أَوْ رَضِيَ بِإِبْقَائِهَا قَالَ الْمُتَوَلِّي أَوْ مَنَعَهُ مِنْ الطَّمِّ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ حَفَرَهَا فِي أَرْضِهِ الْمُؤَجَّرَةِ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ تَعَدَّى بِالْحَفْرِ، قَوْلُهُ: (لِلتَّمَلُّكِ أَوْ الِارْتِفَاقِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ حَفَرَهَا لَا لِهَذَيْنِ الْغَرَضَيْنِ يَضْمَنُ وَقَدْ تَبِعَ فِي هَذَا التَّقْيِيدِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّيَ لَكِنْ قَالَ الْإِمَامُ مِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ حَفَرَهَا فِي الْمَوَاتِ لَا لِغَرَضٍ.
قَوْلُهُ: (وَدَعَا رَجُلًا) خَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ فَإِنَّ الظَّاهِرَ ضَمَانُهُ قَطْعًا وَيَحْتَمِلُ جَرَيَانَ خِلَافٍ نَظَرًا إلَى أَنَّ عَمْدَهُ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ، قَوْلُهُ: (فَالْأَظْهَرُ ضَمَانُهُ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا بِحَيْثُ لَا يَغْلِبُ الْمُرُورُ عَلَى الْبِئْرِ لَكِنْ فِي كَلَامِهِمَا عَلَى مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ الْمَسْمُومِ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ مُرُورَهُ عَلَيْهَا وَكَانَتْ مُغَطَّاةً وَلَمْ يُعْلِمْهُ، قَوْلُهُ: (وَأَذِنَ الْإِمَامُ) تَقْدِيرُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ كَإِذْنِهِ