«أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» أَيْ هَيَجَانِهَا.
وَفِي اسْتِحْبَابِ الْإِبْرَادِ بِالْجُمُعَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُبْرِدُ بِالْجُمُعَةِ، وَأَصَحُّهُمَا لَا لِشِدَّةِ الْخَطَرِ فِي فَوَاتِهَا الْمُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِهَا بِالتَّكَاسُلِ، وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُهُ بِبَلَدٍ حَارٍّ وَجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ يَقْصِدُونَهُ مِنْ بُعْدٍ) وَلَا ظِلَّ فِي طَرِيقِهِمْ إلَيْهِ، فَلَا يُسَنُّ فِي بَلَدٍ مُعْتَدِلٍ، وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا، وَلَا لِجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ لَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ، وَلَا لِمَنْ كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ قَرِيبَةً مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلَا لِمَنْ يَمْشُونَ إلَيْهِ مِنْ بُعْدٍ فِي ظِلٍّ. وَالثَّانِي لَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ فَيُسَنُّ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ. وَذِكْرُ الْمَسْجِدِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَمِثْلُهُ الرِّبَاطُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَمْكِنَةِ الْجَمَاعَةِ.
(وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ) وَبَعْضُهَا خَارِجَهُ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ) فِي الْوَقْتِ (رَكْعَةٌ) فَأَكْثَرَ (فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ إلَّا) بِأَنْ وَقَعَ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ رَكْعَةٍ (فَقَضَاءٌ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» أَيْ مُؤَدَّاةً، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً لَا يُدْرِكُ الصَّلَاةَ مُؤَدَّاةً. وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّكْعَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى مُعْظَمِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ إذْ مُعْظَمُ الْبَاقِي كَالتَّكْرِيرِ لَهَا، فَجَعَلَ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ تَابِعًا لَهَا بِخِلَافِ مَا دُونَهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْجَمِيعَ أَدَاءٌ مُطْلَقًا تَبَعًا لِمَا فِي الْوَقْتِ.
وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَضَاءٌ مُطْلَقًا تَبَعًا لِمَا بَعْدَ الْوَقْتِ. وَالرَّابِعُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ وَمَا بَعْدَهُ قَضَاءٌ وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَعَلَى الْقَضَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSأَوْ سُتْرَةٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ جَمَاعَةٍ أَوْ بُلُوغِ صَبِيٍّ، أَوْ انْقِطَاعِ حَدَثٍ، أَوْ نُزُولِ مُسَافِرٍ، أَوْ إيقَاعِهَا فِي مَسْجِدٍ وَلَوْ فُرَادَى، أَوْ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ، أَوْ رَمْيِ جِمَارٍ، أَوْ إنْقَاذِ غَرِيقٍ، وَخَرَجَ بِالظُّهْرِ أَذَانُهَا فَلَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ بِهِ إلَّا لِقَوْمٍ يُعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَتَخَلَّفُونَ عَنْ سَمَاعِهِ، وَخَرَجَ بِهَا أَيْضًا الْجُمُعَةُ كَمَا مَرَّ، وَسَائِرُ الصَّلَوَاتِ. قَوْلُهُ: (فِي شِدَّةِ الْحَرِّ) خَرَجَ بِهِ الِاعْتِدَالُ وَشِدَّةُ الْبَرْدِ لِمَا سَيَأْتِي، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَسْتَغْرِقُ الْوَقْتَ.
قَوْلُهُ: (إلَى أَنْ يَصِيرَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ إلَخْ) وَغَايَتُهُ إلَى نِصْفِ الْوَقْتِ، وَبِمَا ذُكِرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ الْإِبْرَادُ فِي أَيَّامِ الدَّجَّالِ قَوْلُهُ: (أَصَحُّهُمَا لَا) أَيْ لَا يُطْلَبُ الْإِبْرَادُ فِي الْجُمُعَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (بِبَلَدٍ حَارٍّ) مُعْتَدِلٍ كَمِصْرِ وَلَا بَارِدٍ كَالشَّامِ، وَمَحَلُّ اعْتِبَارِ الْبُلْدَانِ خَالَفَتْ وَضْعَ الْقُطْرِ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِالْقُطْرِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَقَدْ مَرَّ مِثْلُهُ فِي الْمَاءِ الْمُشْمِسِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا حَرَارَةُ الزَّمَنِ. قَوْلُهُ: (وَجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ) سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ عَدَمُ اعْتِبَارِهَا. قَوْلُهُ: (يَقْصِدُونَهُ) أَيْ يَأْتُونَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ بُعْدٍ) أَيْ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُمْ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً لِغَالِبِ النَّاسِ وَقِيلَ لِلشَّخْصِ نَفْسِهِ، وَالْمَشَقَّةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا مَا تُذْهِبُ الْخُشُوعَ أَوْ كَمَالَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا) وَكَذَا جَمَاعَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا لِجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ لَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ) فَإِنْ كَانَ يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ يُسَنُّ لَهُ الْإِبْرَادُ سُنَّ لِهَؤُلَاءِ الْإِبْرَادُ لِأَجْلِهِمْ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ يَسَعُ جَمِيعَ فَرَائِضِهَا لَيْسَ حَرَامًا بِلَا خِلَافٍ، وَلَهُ الْمَدُّ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَنْدُوبَاتِهَا كَتَطْوِيلِ قِرَاءَتِهَا وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهَا أَوْ كُلُّهَا عَنْ الْوَقْتِ، وَفَارَقَ تَرْكَ تَثْلِيثِ الْوُضُوءِ مَثَلًا لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ، وَتَأْخِيرَ النَّفْلِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَهَمُّ، ثُمَّ إنْ وَقَعَ مِنْهَا رَكْعَةٌ فَأَكْثَرُ فِي الْوَقْتِ فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ وَإِلَّا فَقَضَاءٌ، وَأَنَّ الْإِحْرَامَ بِهَا فِي وَقْتٍ لَا يَسَعُ مَا ذُكِرَ لَيْسَ حَرَامًا أَيْضًا إنْ كَانَ تَأْخِيرُهَا لِعُذْرٍ وَيَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا فَحَرَامٌ قَطْعًا، وَلَيْسَ لَهُ الْإِتْيَانُ بِشَيْءٍ مِنْ مَنْدُوبَاتِهَا، ثُمَّ إنْ وَقَعَ مِنْهَا رَكْعَةٌ فَأَكْثَرُ فِي الْوَقْتِ فَأَدَاءٌ أَيْضًا، وَإِلَّا فَقَضَاءٌ مَعَ الْإِثْمِ فِيهِمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ تَخْصِيصُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِهَذِهِ مَعَ شُمُولِهَا لِغَيْرِهَا مِمَّا ذُكِرَ، وَلَعَلَّهُ لِتَرَتُّبِ الْحُرْمَةِ عَلَى الْخِلَافِ وَشَمَلَتْ الصَّلَاةُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَدَخَلَ فِيهَا الْجُمُعَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ تَسْمِيَتُهَا أَدَاءً وَقَضَاءً وَإِنْ فَاتَ كَوْنُهَا جُمُعَةً، وَإِنْ حَرُمَ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ) أَيْ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَوْ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ) لَا تَجُوزُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ فِي ذَلِكَ مَعَ ظَنِّ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ فِي الْوَقْتِ، وَلَا نِيَّةُ الْأَدَاءِ مَعَ ظَنِّ عَدَمِ ذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ فِي صَلَاتِهِ تَبَيُّنُ خِلَافِ مَا نَوَاهُ.
قَوْلُهُ: (إنَّ الرَّكْعَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى مُعْظَمِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ) أَيْ وَأَقْوَالِهَا، أَوْ أَرَادَ بِالْأَفْعَالِ مَا يَشْمَلُهَا تَغْلِيبًا، أَوْ لِأَنَّهَا فِعْلُ اللِّسَانِ.
قَوْلُهُ: (كَالتَّكْرِيرِ لَهَا) أَشَارَ بِالْكَافِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ تَكْرَارًا حَقِيقَةً لِاعْتِبَارِهِ فِي نَفْسِهِ وَلِزِيَادَتِهِ بِالتَّشَهُّدِ وَمَا مَعَهُ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْقَضَاءِ)