فَصْلٌ (الصَّحِيحُ ثُبُوتُهُ) أَيْ بِالْقِصَاصِ (لِكُلِّ وَارِثٍ) مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَةِ كَالدِّيَةِ وَقِيلَ لِلْعَصَبَةِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الْعَارِ فَيَخْتَصُّ بِهِمْ وَقِيلَ لِلْوَارِثِ بِالنَّسَبِ دُونَ السَّبَبِ لِأَنَّهُ لِلتَّشَفِّي، وَالسَّبَبُ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّشَفِّي (وَيُنْتَظَرُ غَائِبُهُمْ) إلَى أَنْ يَحْضُرَ (وَكَمَالُ صَبِيِّهِمْ) بِالْبُلُوغِ (وَمَجْنُونِهِمْ) بِالْإِفَاقَةِ.
(وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ) فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ ضَبْطًا لِحَقِّ الْقَتِيلِ (وَلَا يُخْلَى بِكَفِيلٍ) لِأَنَّهُ قَدْ يَهْرُبُ وَيَفُوتُ الْحَقُّ (وَلْيَتَّفِقُوا) أَيْ مُسْتَحِقُّو الْقِصَاصِ (عَلَى مُسْتَوْفٍ) لَهُ أَحَدُهُمْ أَوْ غَيْرُهُ بِالتَّوْكِيلِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى مُبَاشَرَةِ اسْتِيفَائِهِ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لِلْمُقْتَصِّ مِنْهُ، (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى مُسْتَوْفٍ بِأَنْ أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ (فَقُرْعَةٌ) بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ تَوَلَّاهُ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ (يَدْخُلُهَا الْعَاجِزُ) عَنْ الْمُبَاشَرَةِ (وَيَسْتَنِيبُ) إذَا خَرَجَتْ لَهُ (وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ) لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجْرِي بَيْنَ الْمُسْتَوِينَ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ أَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَالرَّافِعِيُّ نَقَلَ تَرْجِيحَهُ عَنْ الْإِمَامِ وَجَمَاعَةٍ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ عَنْ الْبَغَوِيّ وَهُوَ أَوْجَهُ
(وَلَوْ بَدَرَ أَحَدُهُمْ فَقَتَلَهُ فَالْأَظْهَرُ لَا قِصَاصَ) عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي قَتْلِهِ (وَلِلْبَاقِينَ قِسْطُ الدِّيَةِ مِنْ تَرِكَتِهِ) أَيْ الْمَقْتُولِ وَلَهُ مِثْلُهُ عَلَى الْمُبَادِرِ (وَفِي قَوْلٍ مِنْ الْمُبَادِرِ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا يَسْتَحِقُّهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُ حَقِّ غَيْرِهِ وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ وَمَحَلُّهُ إذَا عَلِمَ تَحْرِيمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSفَصْلٌ فِي مُسْتَحِقِّ الْقَوَدِ وَمُسْتَوْفِيهِ. قَوْلُهُ: (الصَّحِيحُ ثُبُوتُهُ) أَيْ تَلَقِّيًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ شَيْخُنَا آخِرًا وَالدِّيَةُ مِثْلُهُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي قِصَاصِ النَّفْسِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَثَابِتٌ لِلْوَرَثَةِ تَلَقِّيًا بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ فِيهِ عَلَى مَالٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ. قَوْلُهُ: (لِكُلِّ وَارِثٍ) بِحَسَبِ الْإِرْثِ وَدَخَلَ فِي الْوَارِثِ وَارِثُ مَنْ ارْتَدَّ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ الْإِرْثِ، وَدَخَلَ فِيهِ أَيْضًا ذَوُو الْأَرْحَامِ لِأَنَّ أَخْذَهُمْ الْمَالَ بِالْإِرْثِ عَلَى الرَّاجِحِ فَتَخْصِيصُ الشَّارِحِ لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ قَوْلُهُ: (وَقِيلَ لِلْعَصَبَةِ) أَيْ مُطْلَقًا أَوْ الذُّكُورِ خَاصَّةً، وَمِنْ الْعَصَبَةِ ذَوُو الْأَرْحَامِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمِنْهُمْ الْإِمَامُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا فَيَسْتَوْفِيهِ مَعَ الْوَارِثِ قَوْلُهُ: (وَيُنْتَظَرُ) وُجُوبًا غَائِبُهُمْ حَتَّى يَحْضُرَ أَوْ يَأْذَنَ قَوْلُهُ: (وَكَمَالُ صَبِيِّهِمْ بِالْبُلُوغِ) وَلَوْ سَفِيهًا لِأَنَّ عَفْوَهُ عَنْ الْقِصَاصِ صَحِيحٌ وَكَمَالُ مَجْنُونِهِمْ بِالْعَقْلِ نَعَمْ لِوَلِيِّهِ الْأَبَ أَوْ الْجَدَّ فَقَطْ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الدِّيَةِ عِنْدَ حَاجَتِهِ بِخِلَافِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ، وَيُرَاعَى الْجُنُونُ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ الصِّبَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَالزِّيَادِيُّ وَالْوَجْهُ انْتِظَارُ بُلُوغِهِ، فَإِذَا لَمْ يُفِقْ عَمِلَ بِمُقْتَضَى الْجُنُونِ فَرَاجِعْهُ
قَوْلُهُ: (وَيُحْبَسُ) ، وَلَوْ بِلَا طَلَبٍ إلَّا فِي حَامِلٍ كَمَا يَأْتِي وَإِلَّا فِي غَائِبٍ قُتِلَ عَبْدُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَإِلَّا فِي قَاطِعِ طَرِيقٍ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ فَلِلْإِمَامِ الِاسْتِيفَاءُ مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (الْقَاتِلُ) أَيْ الْجَانِي وَلَوْ فِي طَرَفٍ أَوْ مَعْنَى قَوْلُهُ: (لِحَقِّ الْقَتِيلِ) يُفِيدُ أَنَّ الْحَابِسَ الْحَاكِمُ، وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى طَلَبٍ كَمَا مَرَّ فَلَا حَاجَةَ لِمَا اُسْتُشْكِلَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْحَاكِمِ عَلَى أَمْوَالِ الْغَائِبِينَ. قَوْلُهُ: (عَلَى مُسْتَوْفٍ) أَيْ غَيْرِ كَافِرٍ فِي مُسْلِمٍ قَوْلُهُ: (أَحَدُهُمْ أَوْ غَيْرُهُ بِالتَّوْكِيلِ) مِنْ بَاقِيهِمْ أَوْ مِنْهُمْ، وَهَذَا فِي قِصَاصِ النَّفْسِ أَمَّا فِي غَيْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ بِتَوْكِيلِهِمْ لِغَيْرِهِمْ كَمَا يَأْتِي قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا) يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الِاجْتِمَاعِ فِي نَحْوِ غَرَقٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَقُرْعَةٌ) أَيْ وُجُوبًا لِقَطْعِ النِّزَاعِ قَوْلُهُ: (بِإِذْنِ الْبَاقِينَ) لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ وَبِذَلِكَ فَارَقَ وِلَايَةَ النِّكَاحِ قَوْلُهُ: (وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ لِقَادِرٍ فَعَجَزَ أُعِيدَتْ بَيْنَ الْبَاقِينَ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اعْتِبَارُ إذْنِهِ لِمَا مَرَّ، وَسَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (فَالْأَظْهَرُ لَا قِصَاصَ) نَعَمْ إنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الْمُبَادَرَةِ فَلَا قِصَاصَ جَزْمًا وَسَيَأْتِي أَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمَنْعِهِ وَجَبَ الْقِصَاصُ جَزْمًا أَيْضًا قَوْلُهُ: (وَلَهُ) أَيْ لِوَرَثَتِهِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَهِلَهُ) أَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ لَهُ بِاسْتِقْلَالِهِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ الْجَهْلَ كَالْخَطَأِ قَالَهُ شَيْخُنَا وَلَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ لَزِمَهُ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ لِوَرَثَتِهِ وَحَقُّ الْآخَرِينَ فِي تَرِكَتِهِ وَلَا مُطَالَبَةَ لَهُمْ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ
قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْقِصَاصُ) وَأَمَّا حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ فَلِوَرَثَتِهِ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي كَذَا بَقِيَّةُ الْمُسْتَحِقِّينَ وَمِنْهُمْ الْعَافِي إنْ عَفَا عَلَى الدِّيَةِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ بَعْدَ عَفْوِ نَفْسِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ الصَّحِيحُ ثُبُوتُهُ أَيْ بِالْقِصَاصِ لِكُلِّ وَارِثٍ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَةِ]
فَصْلٌ الصَّحِيحُ قَوْلُهُ: (ثُبُوتُهُ) أَيْ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قُبَيْلَ الْمَوْتِ لَكِنْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِخِلَافِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِجُمْلَتِهِمْ، لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَثْبُتُ لَهُ كُلُّ الْقِصَاصِ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ بَيْتَ الْمَالِ فَقِيلَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ ثُبُوتُهُ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِمْ الْقَاصِرُ وَالصَّحِيحُ الثُّبُوتُ لِأَنَّهُ لِلْجِهَةِ، قَوْلُهُ: (كَالدِّيَةِ) بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا حَقٌّ مَوْرُوثٌ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الدِّيَةَ» . وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ خَيَّرَهُمْ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالدِّيَةِ، وَالدِّيَةُ تَثْبُتُ لِجُمْلَتِهِمْ اتِّفَاقًا فَكَذَا الْقِصَاصُ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ لِلْعَصَبَةِ) أَيْ الذُّكُورِ لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّ أَصْحَابَ الْوَلَاءِ يَدْخُلُونَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
قَوْلُهُ: (وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ) أَيْ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْحَاكِمُ مَالَ مَيِّتٍ مَغْصُوبًا وَالْوَارِثُ غَائِبٌ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ حِفْظًا لِحَقِّ الْغَائِبِ، قَوْلُهُ: (وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ الْعَاجِزُ إلَخْ) ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَدَرَ) أَيْ أَسْرَعَ قَوْلُهُ: (فِي قَتْلِهِ) أَيْ فَكَانَ كَوَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ لِأَحَدٍ فِيهِ وَلِأَنَّ مَالِكًا جَوَّزَ لِكُلٍّ الِانْفِرَادَ، قَوْلُهُ: (فَلَزِمَهُ ضَمَانُ حَقِّ غَيْرِهِ) أَيْ كَمَا فِي إتْلَافِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُتْلِفِ وَغَيْرِهِ، قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ) أَيْ فَكَانَ كَمَنْ اسْتَوْفَى النَّفْسَ وَهُوَ يَسْتَحِقُّ الطَّرَفَ. قَوْلُهُ: (فَلَهُ قِسْطُهُ) حَاصِلُ هَذَا أَنَّا إذَا قُلْنَا يَجِبُ الْقِصَاصُ تَعَلَّقَتْ الدِّيَةُ بِتَرِكَةِ الْجَانِي دُونَ الْمُبَادِرِ قَطْعًا
قَوْلُهُ: (وَهَذَا صَادِقٌ بِنَفْيِ الْعِلْمِ) فِي صِدْقِ الْعِبَارَةِ عَلَى هَذَا وَاَلَّذِي يَلِيهِ خَفَاءٌ فَإِنْ جَعَلْت الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ تَصِحُّ وَلَوْلَا فِي تَصْرِيحِ الشَّارِحِ بِلَمْ