(وَيَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ، فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» أَيْ فَإِنَّهَا يَحِلُّ لَهَا الْإِحْدَادُ عَلَيْهِ أَيْ يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى إرَادَتِهِ (لَا رَجْعِيَّةٍ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا لِتَوَقُّعِ الرَّجْعَةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْأَوْلَى أَنْ تَتَزَيَّنَ بِمَا يَدْعُو الزَّوْجَ إلَى رَجْعَتِهَا، وَرَوَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْإِحْدَادُ (وَيُسْتَحَبُّ لِبَائِنٍ) بِخُلْعٍ أَوْ ثَلَاثٍ (وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ) كَمُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِجَامِعِ الِاعْتِدَادِ عَنْ نِكَاحٍ، وَفُرِّقَ بِأَنَّهَا مَجْفُوَّةٌ بِالطَّلَاقِ، فَلَا يَلِيقُ بِهَا إيجَابُ الْإِحْدَادِ بِخِلَافِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا.

(وَهُوَ تَرْكُ لُبْسِ مَصْبُوغٍ لِزِينَةٍ، وَإِنْ خَشُنَ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ «كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَأَنْ نَكْتَحِلَ وَأَنْ نَتَطَيَّبَ وَأَنْ نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا» (وَقِيلَ: يَحِلُّ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ) كَالْبُرُودِ لِانْتِفَاءِ الزِّينَةِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ كَالْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ (وَيُبَاحُ غَيْرُ مَصْبُوغٍ مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَكَتَّانٍ وَكَذَا إبْرَيْسَمٌ) أَيْ حَرِيرٌ (فِي الْأَصَحِّ) كَالْكَتَّانِ، إذَا لَمْ تُحْدِثْ فِيهِ زِينَةً، كَنَقْشٍ، وَالثَّانِي يُحَرَّمُ، لِأَنَّ لُبْسَهُ تَزْيِينٌ، فَعَلَى هَذَا يُحَرَّمُ الْعَتَّابِيُّ الَّذِي غَلَبَ فِيهِ الْإِبْرَيْسَمُ وَيُبَاحُ الْخَزُّ قَطْعًا لِاسْتِتَارِ الْإِبْرَيْسَمِ فِيهِ بِالصُّوفِ الَّذِي هُوَ سِدَادُهُ (وَ) يُبَاحُ (مَصْبُوغٌ لَا يُقْصَدُ لِزِينَةٍ) بَلْ لِمُصِيبَةٍ، أَوْ احْتِمَالِ وَسَخٍ كَالْأَسْوَدِ وَالْكُحْلِيِّ لِانْتِفَاءِ الزِّينَةِ، وَإِنْ تَرَدَّدَ الْمَصْبُوغُ بَيْنَ الزِّينَةِ وَغَيْرِهَا كَالْأَخْضَرِ وَالْأَزْرَقِ فَإِنْ كَانَ بَرَّاقًا صَافِيَ اللَّوْنِ حُرِّمَ، لِأَنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ يُتَزَيَّنُ بِهِ، أَوْ كَدِرًا، مُشَبَّعًا فَلَا لِأَنَّ الْمُشَبَّعَ مِنْ الْأَخْضَرِ، يُقَارِبُ الْأَسْوَدَ وَمِنْ الْأَزْرَقِ يُقَارِبُ الْكُحْلِيَّ.

(وَيُحَرَّمُ حُلِيُّ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ) لِحَدِيثِ «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ، الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ وَلَا الْمُمَشَّقَةَ وَالْحُلِيَّ وَلَا تَخْتَضِبُ، وَلَا تَكْتَحِلُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَالْمُمَشَّقَةُ الْمَصْبُوغَةُ بِالْمِشْقَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهِيَ الْمَغْرَةُ، بِفَتْحِهَا، وَيُقَالُ طِينٌ أَحْمَرُ يُشْبِهُهَا، وَيَسْتَوِي فِي الْحُلِيِّ الْخَلْخَالُ وَالسِّوَارُ وَالْخَاتَمُ وَغَيْرُهَا لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: يَجُوزُ لَهَا التَّخَتُّمُ بِخَاتَمِ الْفِضَّةِ كَالرَّجُلِ، وَإِنَّمَا يُحَرَّمُ عَلَيْهَا مَا تَخْتَصُّ النِّسَاءُ بِحِلِّهِ (وَكَذَا) يُحَرَّمُ (لُؤْلُؤٌ فِي الْأَصَحِّ) مِنْ تَرَدُّدٍ لِلْإِمَامِ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ لِظُهُورِ الزِّينَةِ فِيهِ، وَالثَّانِي لَا يُحَرَّمُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالذَّهَبِ وَلَا يُحَرَّمُ عَلَى الرَّجُلِ قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَلَوْ تَحَلَّتْ بِنُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ مُمَوَّهٍ بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مُشَابِهٍ لَهُمَا بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ التَّأَمُّلِ لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (عَلَى مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ) وَلَوْ صَغِيرَةً وَمَجْنُونَةً بِإِلْزَامِ وَلِيِّهِمَا وَرَقِيقَةً وَذِمِّيَّةً وَلَوْ عَلَى ذِمِّيٍّ وَالْمُعَاهَدُ وَالْمُؤَمَّنُ كَذَلِكَ فِي الشِّقَّيْنِ وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ، بِمَا إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا، وَإِلَّا فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ وَخَرَجَ بِمُعْتَدَّةِ الْوَفَاةِ مَا زَادَ عَلَى الْأَشْهُرِ فِيمَنْ تَعْتَدُّ بِالْأَكْثَرِ مِنْهَا وَمِنْ الْأَقْرَاءِ فِيمَا مَرَّ وَمَا لَوْ وَلَدَتْ عَقِبَ الْمَوْتِ، وَنَازَعَ فِيهَا بَعْضُهُمْ، وَمَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْ شُبْهَةٍ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا تُحِدُّ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْحَمْلُ عَنْ الشُّبْهَةِ وَالْوَفَاةِ وَجَبَ الْإِحْدَادُ، وَلَا تُمْنَعُ مِنْهُ لِلشُّبْهَةِ وَظَاهِرُهُ دَوَامُ الْإِحْدَادِ، وَإِنْ طَالَ الْحَمْلُ إلَى الْوَضْعِ وَلَوْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (تُؤْمِنُ إلَخْ) هُوَ لِلْغَالِبِ، كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (لِلْإِجْمَاعِ) وَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْظُرْ إلَى مُخَالَفَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (قَالَ بَعْضُهُمْ) أَيْ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى أَنْ تَتَزَيَّنَ إلَخْ) حُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ تَرْجُو رَجْعَتَهُ، وَلَمْ تَكُنْ رِيبَةٌ فِي فَرَحِهَا بِطَلَاقِهِ قَوْلُهُ: (يُسْتَحَبُّ لَهَا الْإِحْدَادُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ إذَا لَمْ تَرْجُ رَجْعَةً كَالْبَائِنِ وَخَرَجَ بِهِمَا الْمُعْتَدَّةُ عَنْ شُبْهَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَلَوْ بِالْمَوْتِ فِيهِمَا وَأُمُّ الْوَلَدِ فَلَا يُنْدَبُ لَهُنَّ الْإِحْدَادُ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (لُبْسِ مَصْبُوغٍ) وَلَوْ لَيْلًا وَمَسْتُورًا نَعَمْ يَكْفِي سَتْرُهُ إذَا لَبِسَتْهُ لِحَاجَةٍ. قَوْلُهُ: (لِزِينَةٍ) أَيْ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يُتَزَيَّنَ بِهِ لِتَشَوُّفِ الرِّجَالِ إلَيْهِ، وَلَوْ بِحَسَبِ عَادَةِ قَوْمِهَا أَوْ جِنْسِهَا، قَوْلُهُ: (كَالْبُرُودِ) وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ بِالطُّرَحِ، أَوْ نَحْوِ الْقُلَيْعَةِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ، قَوْلُهُ: (وَكَتَّانٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا، قَوْلُهُ: (أَيْ حَرِيرٌ) فَسَّرَ بِهِ الْإِبْرَيْسَمَ إشَارَةً لِلْقَزِّ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ مَا يُفِيدُ الزِّينَةَ مِنْ صَبْغٍ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ: (كَالْأَسْوَدِ) إذَا لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُمْ التَّزَيُّنَ بِهِ، وَإِلَّا كَالْأَعْرَابِ فَيُحَرَّمُ.

قَوْلُهُ: (مُسْتَحْسَنٌ يُتَزَيَّنُ بِهِ) أَيْ إنْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا مَا بَعْدَهُ وَالطِّرَازُ كَالنُّسُجِ وَحَوَاشِي الْعَتَّابِيِّ كَالنُّسُجِ أَيْضًا،

قَوْلُهُ: (وَيُحَرَّمُ حُلِيٌّ إلَخْ) أَيْ نَهَارًا وَيُكْرَهُ لَيْلًا بِلَا حَاجَةٍ وَلَا كَرَاهَةَ مَعَهَا.

قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهَا) كَالْقُرْطِ وَهُوَ حَلْقَةُ الْأُذُنِ وَالدُّمْلُجُ وَهُوَ سِوَارُ الْعَضُدِ وَالتَّحَلِّي بِنَحْوِ النُّحَاسِ إنْ كَانَ لِلزِّينَةِ، أَوْ اشْتَبَهَ بِالذَّهَبِ حُرِّمَ، قَوْلُهُ: (وَقَالَ الْإِمَامُ إلَخْ) هُوَ مَرْجُوحٌ.

قَوْلُهُ: (وَيُحَرَّمُ لُؤْلُؤٌ) أَيْ نَهَارًا كَمَا مَرَّ وَكَذَا بَقِيَّةُ التَّحَلِّي نَعَمْ إنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى لُبْسِهِ نَهَارًا كَإِحْرَازِهِ جَازَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (عَلَى مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ تُفِيدُ مَسْأَلَةً حَسَنَةً وَهِيَ مَعْلُومَاتٌ عَنْهَا وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ بِحَمْلٍ عَنْ شُبْهَةٍ فَلَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ حَتَّى تَشْرَعَ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ بَعْدَ الْوَضْعِ.

قَوْلُهُ: (بِالْإِجْمَاعِ) نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ خَالَفَ اهـ. وَمِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ أَنَّ الْإِحْدَادَ كَانَ مُمْتَنِعًا فَإِذَا جَازَ وَجَبَ كَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ

قَوْلُهُ: (وَأَنْ نَكْتَحِلَ) كَأَنَّ هَذَا مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ وَالْمَعْنَى وَنُنْهَى أَنْ نَفْعَلَ كَذَا عَلَى الزَّوْجِ، قَوْلُهُ: (وَكَتَّانٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015