مَضَى قُرْءٌ أَوْ قُرْءَانِ قَبْلَ الْمَوْتِ اعْتَدَّتْ بِالْأَكْثَرِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ، وَمِنْ قُرْأَيْنِ، أَوْ قُرْءٍ.
(وَمَنْ غَابَ) بِسَفَرٍ، أَوْ غَيْرِهِ (وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ لَيْسَ لِزَوْجَتِهِ نِكَاحٌ) ، لِغَيْرِهِ (حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ، أَوْ طَلَاقُهُ) لِأَنَّ النِّكَاحَ مَعْلُومٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ إلَّا بِيَقِينٍ وَعَنْ الْقَفَّالِ لَوْ أَخْبَرَهَا عَدْلٌ بِوَفَاتِهِ حَلَّ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (وَفِي الْقَدِيمِ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ لِوَفَاةٍ وَتَنْكِحُ) غَيْرَهُ قَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَاهُ مَالِكٌ وَتَحْسُبُ الْمُدَّةَ مِنْ وَقْتِ انْقِطَاعِ الْخَبَرِ، لَكِنْ تَفْتَقِرُ إلَى ضَرْبِ الْقَاضِي لَهَا فِي الْأَصَحِّ فَلَا يَحْسُبُ مَا مَضَى قَبْلَهُ وَإِذَا ضَرَبَهَا بَعْدَ ظُهُورِ الْحَالِ عِنْدَهُ فَمَضَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِوَفَاتِهِ وَحُصُولِ الْفُرْقَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَهَلْ يَنْفُذُ الْحُكْمُ بِالْفُرْقَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَالْفَسْخِ بِالْعُنَّةِ، أَوْ ظَاهِرًا فَقَطْ وَجْهَانِ مُسْتَنَدُ الثَّانِي أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا عَادَ الْمَفْقُودُ مَكَّنَهُ مِنْ أَخْذِ زَوْجَتِهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (فَلَوْ حَكَمَ بِالْقَدِيمِ) أَيْ بِمَا قِيلَ فِيهِ مِنْ الْوَفَاةِ وَحُصُولِ الْفُرْقَةِ بَعْدَ الْمُدَّةِ. (قَاضٍ نُقِضَ) حُكْمُهُ (عَلَى الْجَدِيدِ فِي الْأَصَحِّ) لِمُخَالَفَتِهِ لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِوَفَاتِهِ فِي قِسْمَةِ مِيرَاثِهِ وَعِتْقِ أُمِّ وَلَدِهِ قَطْعًا وَلَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ فُرْقَةِ النِّكَاحِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ بِمَا ذُكِرَ لِاخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ.
(وَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ التَّرَبُّصِ وَالْعِدَّةِ فَبَانَ) الزَّوْجُ (مَيِّتًا) وَقْتَ الْحُكْمِ بِالْفُرْقَةِ (صَحَّ) النِّكَاحُ (عَلَى الْجَدِيدِ) أَيْضًا. (فِي الْأَصَحِّ) لِخُلُوِّهِ مِنْ الْمَانِعِ فِي الْوَاقِعِ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِانْتِفَاءِ الْجَزْمِ بِخُلُوِّهِ مِنْ الْمَانِعِ وَقْتَ عَقْدِهِ وَلَوْ بَانَ الزَّوْجُ حَيًّا بَعْدَ أَنْ نَكَحَتْ، فَهُوَ عَلَى الْقَدِيمِ عَلَى زَوْجِيَّتِهِ كَالْجَدِيدِ لِتَبَيُّنِ الْخَطَإِ فِي الْحُكْمِ لَكِنْ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَعْتَدَّ لِلثَّانِي، وَقِيلَ هِيَ زَوْجَةُ الثَّانِي لِارْتِفَاعِ نِكَاحِ الْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى نُفُوذِ الْحُكْمِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَقِيلَ: الْأَوَّلُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَنْزِعَهَا مِنْ الثَّانِي وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهَا وَيَأْخُذَ مِنْهُ مَهْرَ مِثْلٍ لِقَضَاءِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (وَمَنْ غَابَ) كَلَامُهُ فِي الزَّوْجِ وَمِثْلُهُ الزَّوْجَةُ، قَوْلُهُ: (لَيْسَ لِزَوْجَتِهِ نِكَاحٌ) وَلَا لِمُسْتَوْلَدَتِهِ قَوْلُهُ: (يُتَيَقَّنُ) بِمَعْنَى مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ لِشُمُولِهِ حُكْمَ الْحَاكِمِ، وَإِخْبَارَ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْفَرَائِضِ، قَوْلُهُ: (وَعَنْ الْقَفَّالِ لَوْ أَخْبَرَهَا إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، قَوْلُهُ: (عَدْلٌ) وَلَوْ رِوَايَةً كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَهَلْ يَلْحَقُ بِذَلِكَ غَيْرُ عَدْلٍ؟ اعْتَقَدْتُ صِدْقَهُ رَاجِعْهُ، قَوْلُهُ: (حَلَّ لَهَا) لَكِنْ لَا تُقَرُّ عَلَيْهِ ظَاهِرًا فَيُفَرِّقُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا إذَا عَلِمَ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَفِي الْقَدِيمِ) وَنَقَلَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجَعَ عَنْهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ قَضَاءِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مِثْلَهُ.
قَوْلُهُ: (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ ضَرْبِ الْقَاضِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ قَوْلُهُ: (مَكَّنَهُ مِنْ أَخْذِ زَوْجَتِهِ) وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْفَسْخَ يَنْفُذُ ظَاهِرًا فَقَطْ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَلَكِنْ لَا يَسْتَمْتِعُ الْمَفْقُودُ بِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ وَطْءِ النَّاكِحِ بِهَا، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ بِهِ وَلَا عَلَيْهَا كَمَا يَأْتِي، قَوْلُهُ: (لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ) مَعَ الِاحْتِيَاطِ لِلْإِبْضَاعِ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّرَبُّصِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ هُوَ تَصْوِيرٌ، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِ النِّكَاحِ بَعْدَ الْعِدَّةِ.
سَوَاءٌ قَبْلَ ضَرْبِ الْقَاضِي أَوْ بَعْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْقَدِيمِ، وَلَا يُقَالُ عَطْفُ الْعِدَّةِ عَلَى التَّرَبُّصِ تَفْسِيرٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُهَا كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (مَيِّتًا) قَبْلَ النِّكَاحِ بِمِقْدَارِ الْعِدَّةِ، وَخَرَجَ مَا لَوْ بَانَ حَيًّا فَهُوَ لَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، قَوْلُهُ: (وَقْتَ الْحُكْمِ) أَيْضًا يُفِيدُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَدِيمِ، وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْجَدِيدِ، وَصَحَّ هُنَا لِخَفَاءِ أَثَرِ الشَّكِّ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ فِي الْمُرْتَابَةِ، قَوْلُهُ: (فِي الْوَاقِعِ) أَيْ مَعَ الِاسْتِنَادِ إلَى سَبَبٍ خَفِيٍّ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ فِي الْمُرْتَابَةِ لِاسْتِنَادِهِ إلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ، قَوْلُهُ: (لَا يَطَؤُهَا) وَلَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا كَمَا مَرَّ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ بَاطِنًا فِي الثَّانِي وَلِنُشُوزِهَا عَلَى الْأَوَّلِ بِنِكَاحِ الثَّانِي نَعَمْ إنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَعَادَتْ لِمَنْزِلِ الْمَفْقُودِ وَعَلِمَ بِهَا وَجَبَتْ مِنْ حِينَئِذٍ.
قَوْلُهُ: (الْإِحْدَادُ مِنْ) أَحَدَّ وَيُقَالُ الْحِدَادُ مِنْ حَدَّ وَيُقَالُ بِالْجِيمِ بَدَلَ الْحَاءِ، وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا مَنْعٌ مَخْصُوصٌ مِنْ التَّزَيُّنِ وَالْخِضَابِ وَنَحْوِهِمَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ اتَّفَقَ فِيهِ اللُّغَتَانِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَدْ حَصَلَتْ الْأَشْهُرُ فِي ضِمْنِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْأَشْهُرُ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُطَلَّقَةَ فَقَدْ حَصَلَتْ الْأَقْرَاءُ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الزَّوْجَةَ فَعِدَّتُهَا الْأَشْهُرُ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا هُنَا لِبِنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْوَارِثَ، هَلْ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي الْبَيَانِ وَكَانَ يَنْبَغِي بِنَاؤُهَا عَلَى ذَلِكَ
قَوْلُهُ: (حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ إلَخْ) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ وَلِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ إذْ كَيْفَ يَقُولُ لَا تَرِثُ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (نُقِضَ) قَالَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْ الْقَدِيمِ إذْ بَانَ لَهُ أَنْ تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ لَا يَجُوزُ لِلْمُجْتَهِدِ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ التَّرَبُّصِ وَالْعِدَّةِ) أَيْ وَبَعْدَ مَا سَلَفَ مِنْ ضَرْبِ الْقَاضِي وَحُكْمِهِ هَذَا مُرَادُهُ فِيمَا يَظْهَرُ، هَذِهِ الْحَاشِيَةُ سَطَّرْتُهَا بَحْثًا قَبْلَ اطِّلَاعِي عَلَى تَصْرِيحِ الشَّارِحِ بِمَعْنَاهَا فِي قَوْلِهِ الْآتِي وَقْتَ الْحُكْمِ بِالْفُرْقَةِ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. قَوْلُهُ: (صَحَّ النِّكَاحُ إلَخْ) نَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ بِمَا سَلَفَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُرْتَابَةِ إذَا حَصَلَتْ الرِّيبَةُ، وَإِنْ بَانَ أَنَّ النِّكَاحَ صَادَفَ الْبَيْنُونَةَ قَالَ: وَقَدْ جَعَلُوا مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ الشَّكَّ فِي حِلِّ الْمَنْكُوحَةِ، كَمَا لَوْ نَكَحَ مَنْ لَا يَدْرِي أَمُعْتَدَّةٌ أَمْ لَا وَهَلْ هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَمْ لَا اهـ.
أَقُولُ لَا إشْكَالَ، لِأَنَّ الْأَمْرَ هُنَا مُتَأَكِّدٌ بِضَرْبِ الْقَاضِي وَحُكْمِهِ فَأَقَلُّ مَرَاتِبِهِ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ حَدَثَتْ الرِّيبَةُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ كَمَا سَلَفَ
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ الْإِحْدَادُ) مِنْ أَحَدَّ وَهُوَ الْمَنْعُ، لِأَنَّهَا تَمْنَعُ نَفْسَهَا التَّزَيُّنَ وَتَمْنَعُ الْخِضَابَ قَوْلُهُ أَيْضًا، وَيَجِبُ الْإِحْدَادُ اُنْظُرْ لَوْ كَانَتْ حَامِلًا وَمَكَثَتْ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ هَلْ تُحِدُّ مُدَّتَهَا، أَوْ وَلَدَتْ عَقِبَ الْمَوْتِ هَلْ يَزُولُ الْوُجُوبُ وَالْجَوَازُ أَمْ الْوُجُوبُ فَقَطْ. أَمَّا مَنْ تَعْتَدُّ بِالْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ لَوْ فُرِضَ زِيَادَةُ الْأَقْرَاءِ فَالْوَجْهُ سُقُوطُهُ فِي الزَّائِدِ، لِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ مِنْ حَيْثُ الطَّلَاقُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.