لِعُسْرِ مُفَارَقَةِ الْمَأْلُوفِ وَنَفَاسَتِهِمَا بِأَنْ يَجِدَ بِثَمَنِ الْمَسْكَنِ مَسْكَنًا يَكْفِيهِ وَعَبْدًا يُعْتِقُهُ، وَبِثَمَنِ الْعَبْدِ عَبْدًا يَخْدُمُهُ وَآخَرَ يُعْتِقُهُ وَالثَّانِي يَجِبُ بَيْعُهُمَا لِتَحْصِيلِ عَبْدٍ يُعْتِقُهُ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى مُفَارَقَةِ الْمَأْلُوفِ فِي ذَلِكَ أَمَّا إذَا لَمْ يَأْلَفْهُمَا فَيَجِبُ بَيْعُهُمَا لِتَحْصِيلِ عَبْدٍ يُعْتِقُهُ جَزْمًا.
(وَلَا) يَجِبُ (شِرَاءٌ بِغَبْنٍ) كَأَنْ وَجَدَ عَبْدًا لَا يَبِيعُهُ مَالِكُهُ إلَّا بِثَمَنٍ غَالٍ (وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ اعْتِبَارُ الْيَسَارِ) الَّذِي يَلْزَمُ بِهِ الْإِعْتَاقُ (بِوَقْتِ الْأَدَاءِ) لِلْكَفَّارَةِ وَالثَّانِي بِوَقْتِ الْوُجُوبِ لَهَا، وَالثَّالِثُ بِأَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ وَقْتَيْ الْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ وَالرَّابِعُ بِأَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ، وَالْأَخِيرَانِ مُخَرَّجَانِ فَالْمُعْسِرُ وَقْتَ الْأَدَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ وَقْتَ الْوُجُوبِ عَلَى الثَّانِي، وَفِي الْوَقْتَيْنِ عَلَى الثَّالِثِ فَرْضُهُ الصَّوْمُ فَإِنْ أَعْتَقَ كَأَنْ اقْتَرَضَ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ، وَأَيْسَرَ الثَّانِي أَجْزَأَهُ لِلتَّرَقِّي إلَى الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا، وَقِيلَ لَا لِتَعَيُّنِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ، وَالْمُوسِرُ وَقْتَ الْوُجُوبِ فَرْضُهُ عَلَى الثَّانِي، وَمَا بَعْدَهُ الْإِعْتَاقُ، وَإِنْ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْعَبْدُ الْمُظَاهِرُ لَا يَتَأَتَّى تَكْفِيرُهُ بِالْإِعْتَاقِ، وَالْإِطْعَامِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا بِتَمْلِيكِ غَيْرِ السَّيِّدِ وَلَا بِتَمْلِيكِ السَّيِّدِ فِي الْأَظْهَرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ، وَعَلَى الثَّانِي إذَا مَلَّكَهُ طَعَامًا لِيُكَفِّرَ بِهِ فَفَعَلَ جَازَ، أَوْ عَبْدًا لِيُكَفِّرَ بِهِ لَمْ يَجُزْ لِاسْتِعْقَابِ الْإِعْتَاقِ لِلْوَلَاءِ وَلَا وَلَاءَ لِلرَّقِيقِ وَتَكْفِيرُهُ بِالصَّوْمِ: لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُهُ مِنْهُ. إنْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ، ثُمَّ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ الْخَصْلَةِ الثَّانِيَةِ.
فَقَالَ (فَإِنْ عَجَزَ) أَيْ الْمُظَاهِرُ (عَنْ عِتْقٍ) حِسًّا وَشَرْعًا كَمَا تَقَدَّمَ (صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِالْهِلَالِ بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ) أَيْ لِصَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ لَيْلَتِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ (وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ تَتَابُعٍ فِي الْأَصَحِّ) ، لِأَنَّهُ هَيْئَةٌ فِي الْعِبَادَةِ وَالْهَيْئَةُ لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهَا فِي النِّيَّةِ، وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ كُلَّ لَيْلَةٍ لِيَكُونَ مُتَعَرِّضًا لِخَاصَّةِ هَذَا الصَّوْمِ (فَإِنْ ابْتَدَأَ) بِالصَّوْمِ (فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ حَسَبَ الشَّهْرَ بَعْدَهُ بِالْهِلَالِ وَأَتَمَّ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّالِثِ ثَلَاثِينَ) يَوْمًا لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ فِيهِ إلَى الْهِلَالِ (وَيَزُولُ التَّتَابُعُ بِفَوَاتِ يَوْمٍ بِلَا عُذْرٍ) فَيَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ وَلَوْ كَانَ الْفَائِتُ الْيَوْمَ الْأَخِيرَ، أَوْ الْيَوْمَ الَّذِي نُسِيَتْ النِّيَّةُ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (لِعُسْرِ مُقَارَنَةِ الْمَأْلُوفِ) أَيْ مَعَ كَوْنِهِ هُنَا لَهُ بَدَلٌ فَلَا يَرِدُ بَيْعُ ذَلِكَ فِي الْحَجْرِ وَالْفَلَسِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ شِرَاءٌ بِغَبْنٍ) وَلَوْ غَيْرَ فَاحِشٍ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْبَدَلِ فَيَصْبِرُ إلَى أَنْ يَجِدَ مَا يُبَاعُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَرِّطُ لِنَفْسِهِ أَصَالَةً وَلِهَذَا فَارَقَ الْمُحْصَرَ، وَكَذَا غَيْبَةُ مَالِهِ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَيَنْتَظِرُهُ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ.
قَوْلُهُ: (بِثَمَنٍ غَالٍ) أَيْ غَيْرِ لَائِقٍ بِذَلِكَ الرَّقِيقِ، وَإِلَّا فَبَدِيعَةُ الْجَمَالِ ثَمَنُهَا غَالٍ لَكِنَّهُ لَائِقٌ بِهَا فَيَجِبُ شِرَاؤُهَا وَلَا يَجِبُ قَبُولُ هِبَةِ الرَّقِيقِ، أَوْ ثَمَنِهِ، وَلَا قَبُولُ إعْتَاقِهِ عَنْهُ بَلْ يُنْدَبُ. قَوْلُهُ: (بِوَقْتِ الْأَدَاءِ) أَيْ وَقْتِ إرَادَتِهِ أَدَاءَ الْكَفَّارَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَخِيرَانِ مُخَرَّجَانِ) فَنِسْبَتُهُمَا إلَى الْإِمَامِ لَا تَجُوزُ وَلَعَلَّهُ غَلَّبَ الْأَوَّلَيْنِ فَصَحَّ تَعْبِيرُهُ بِأَظْهَرِ الْأَقْوَالِ.
قَوْلُهُ: (فَرْضُهُ الصَّوْمُ) فَلَوْ شَرَعَ فِيهِ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ لَكِنَّهُ يُنْدَبُ، وَيَقَعُ مَا فَعَلَهُ تَطَوُّعًا كَمَا لَوْ عَدَلَ إلَيْهِ ابْتِدَاءً، الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَعْتَقَ إلَخْ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْإِطْعَامِ مَعَ الصَّوْمِ، أَوْ الْعِتْقِ. قَوْلُهُ: (لِلسَّيِّدِ تَحْلِيلُهُ مِنْهُ) هَذَا فِي كَفَّارَةِ غَيْرِ الظِّهَارِ، وَأَمَّا فِيهَا فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ مِنْهُ، وَلَا مَنْعُهُ مِنْهُ ابْتِدَاءً لِتَضَرُّرِهِ بِطُولِ الْمُدَّةِ، وَالْمُبَعَّضُ كَالْحُرِّ إلَّا فِي الْإِعْتَاقِ فَلَا يُكَفِّرُ بِهِ وَالسَّفِيهُ كَغَيْرِهِ هُنَا، وَالْمُبَاشِرُ لِلنِّيَّةِ هُوَ وَلِلْإِخْرَاجِ وَلِيُّهُ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ عَجَزَ) أَيْ عَنْ جَمِيعِ الرَّقَبَةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِهَا بِخِلَافِ الْإِطْعَامِ الْآتِي، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ لَا بَدَلَ لَهُ، وَيُعْتَبَرُ الْعَجْزُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حَتَّى لَوْ صَامَ فَتَبَيَّنَ يَسَارُهُ بِنَحْوِ إرْثٍ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الصَّوْمِ وَقَعَ نَفْلًا مُطْلَقًا وَلَزِمَهُ الْإِعْتَاقُ. قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ) وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَاهُ فَلَوْ عَيَّنَ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ عَنْ كَفَّارَةٍ، وَالثَّانِيَ عَنْ الْأُخْرَى وَهَكَذَا لَمْ يَكْفِهِ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ التَّتَابُعِ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْعَبْدَيْنِ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ النِّيَّةُ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ.
قَوْلُهُ: (لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ فِيهِ إلَى الْهِلَالِ) وَعَدَمِ وُجُوبِ الصَّبْرِ عَلَيْهِ إلَى الْهِلَالِ. قَوْلُهُ: (وَيَزُولُ التَّتَابُعُ) وَيُحَرَّمُ قَطْعُهُ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِذَلِكَ، لِأَنَّ عَوْدَ الْمَسْكَنَةِ أَشَقُّ مِنْ مُفَارَقَةِ الْعَبْدِ وَالْمَسْكَنِ الْمَأْلُوفَيْنِ، وَلَمْ يُكَلَّفْ بَيْعَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي قِيلَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِبَارِ كِفَايَةِ الْعُمُرِ الْغَالِبِ، وَهُوَ خِلَافُ مُرَجَّحِ النَّوَوِيِّ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ كَمَا سَلَفَ.
فَائِدَةٌ: الضَّيْعَةُ الْعَقَارُ
قَوْلُهُ: (بِغَبْنٍ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِي مَعْنَاهُ إذَا وَجَدَ جَارِيَةً نَفِيسَةً تُبَاعُ بِأُلُوفٍ وَهِيَ قِيمَةُ مِثْلِهَا وَلَكِنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الْعَادَةِ، قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي بِوَقْتِ الْوُجُوبِ) عَلَّلَ بِأَنَّهُ حَقٌّ يُسْتَوْفَى عَلَى جِهَةِ التَّطْهِيرِ كَالْحَدِّ فِيمَا لَوْ زَنَى وَهُوَ حُرٌّ، ثُمَّ رَقَّ، أَوْ عَكْسُهُ أَوْ وَهُوَ بِكْرٌ، ثُمَّ أُحْصِنَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ نَاظِرٌ لِشَائِبَةِ الْعِبَادَةِ، وَالثَّانِي لِشَائِبَةِ الْعُقُوبَةِ اهـ.
وَتَوْجِيهُ الثَّالِثِ أَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِوُجُوبِ الْمَالِ فَاعْتُبِرَ أَغْلَظُ الْأَحْوَالِ كَالْحَجِّ يَجِبُ مَتَى تَحَقَّقَ الْيَسَارُ، قَوْلُهُ: (وَالْأَخِيرَانِ مُخَرَّجَانِ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى نَقْدٍ عَلَى الْمُؤَلِّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُخَرَّجَ لَا تُطْلَقُ نِسْبَتُهُ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ التَّرَجُّحِ أَقُولُ لَكِنْ سَهَّلَ ذَلِكَ اقْتِرَانُ الْمُخَرَّجِ هُنَا بِالنُّصُوصِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالنِّسْبَةِ هُنَا. قَوْلُهُ: (وَأَيْسَرَ الثَّانِي) لَمْ يَفْرِضْ فِي الْأَوَّلَيْنِ يُسْرًا بِغَيْرِ اقْتِرَاضٍ لِأَنَّهُ - إذْ ذَاكَ - يُفَوِّتُ صَدْرَ الْمَسْأَلَةِ لِوُجُودِ الْيُسْرِ وَقْتَ الْأَدَاءِ فَلَا يَكُونُ مُنْتَقِلًا عَنْ الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا لِلْعُلْيَا
قَوْلُهُ: (بِالْهِلَالِ) أَيْ لِأَنَّهَا الْأَشْهُرُ الشَّرْعِيَّةُ لِآيَةِ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} [البقرة: 189] قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ نَعَمْ لَوْ حَمَلَ شَهْرًا عَنْ كَفَّارَةٍ، ثُمَّ آخَرَ عَنْ أُخْرَى ثُمَّ آخَرَ عَنْ الْأُولَى، ثُمَّ آخَرَ عَنْ الْأُخْرَى، لَمْ يَجْزِهِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْعَبْدَيْنِ لِفَوَاتِ الْوَلَاءِ فِي الصَّوْمِ قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ، قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ هَيْئَةٌ) أَيْ كَالْأَدَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَكَذَا الطَّهَارَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الشُّرُوطِ، قَوْلُهُ: (لِيَكُونَ مُتَعَرِّضًا إلَخْ) أَيْ كَنِيَّةِ الْجَمْعِ وَالْقَصْرِ فِي الصَّلَاةِ، قَوْلُهُ: (وَيَزُولُ التَّتَابُعُ إلَخْ) لَوْ وَطِئَ الْمُظَاهِرُ لَيْلًا قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرَيْنِ