وَقِيلَ: يَعْتِقُ عَبْدٌ عَنْ كَفَّارَةٍ وَعَبْدٌ عَنْ الْأُخْرَى وَيَلْغُو تَعَرُّضُهُ لِلنِّصْفَيْنِ.
(وَلَوْ أَعْتَقَ مُعْسِرٌ نِصْفَيْنِ) لَهُ مِنْ عَبْدَيْنِ (عَنْ كَفَّارَةٍ) عَلَيْهِ (فَالْأَصَحُّ الْإِجْزَاءُ إنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَقِيقًا وَالْفَرْقُ أَنَّهُ حَصَلَ مَقْصُودُ الْعِتْقِ عَنْ التَّخْلِيصِ مِنْ الرِّقِّ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَقِيلَ يُجْزِئُ إعْتَاقُ النِّصْفَيْنِ مُطْلَقًا تَنْزِيلًا لَهُمَا مَنْزِلَةَ الْوَاحِدِ الْكَامِلِ، وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ إعْتَاقُهُمَا مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ.
(وَلَوْ أَعْتَقَ) عَبْدًا عَنْ كَفَّارَةٍ (بِعِوَضٍ) عَلَى الْعَبْدِ كَأَنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ دِينَارًا (لَمْ يُجْزِئْ) ذَلِكَ الْإِعْتَاقُ (عَنْ كَفَّارَةٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يُجَرِّدْ الْإِعْتَاقَ لَهَا بَلْ ضَمَّ إلَيْهَا قَصْدَ الْعِوَضِ وَقِيلَ يُجْزِئُ عَنْهَا وَيَسْقُطُ الْعِوَضُ وَاسْتَطْرَدَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لَهُمْ بِذِكْرِ مَسَائِلَ فِيمَنْ اسْتَدْعَى الْإِعْتَاقَ بِعِوَضٍ فَقَالَ:
(وَالْإِعْتَاقُ بِمَالٍ كَطَلَاقٍ بِهِ) أَيْ فَهُوَ مِنْ جَانِبِ الْمَالِكِ مُعَاوَضَةٌ فِيهَا شَائِبَةُ التَّعْلِيقِ وَمِنْ جَانِبِ الْمُسْتَدْعِي مُعَاوَضَةٌ فِيهَا شَائِبَةُ الْجَعَالَةِ (فَلَوْ قَالَ: أَعْتِقْ أُمَّ وَلَدِك عَلَى أَلْفٍ فَأَعْتَقَ نَفَذَ) الْإِعْتَاقُ (وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ) الْمَذْكُورُ وَكَانَ ذَلِكَ افْتِدَاءً مِنْ الْمُسْتَدْعِي كَاخْتِلَاعِ الْأَجْنَبِيِّ (وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَلَى كَذَا فَأَعْتَقَ) فَإِنَّهُ كَمَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ قَطْعًا يَلْزَمُهُ الْعِوَضُ (فِي الْأَصَحِّ) لِالْتِزَامِهِ إيَّاهُ وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ؛ إذْ لَا افْتِدَاءَ فِي ذَلِكَ لِإِمْكَانِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ بِخِلَافِ أُمِّ وَلَدٍ (وَإِنْ قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى كَذَا فَفَعَلَ عَتَقَ عَنْ الطَّالِبِ وَعَلَيْهِ الْعِوَضُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــSإجْزَاءِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ لَمْ يَصِحَّ التَّكْفِيرُ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْ الْكَفَّارَتَيْنِ، أَيْ ظَاهِرًا فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا غَيْرَهُ مُشَقَّصًا كَمَا فَعَلَ أَوَّلًا أَجْزَأَ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يَعْتِقُ) هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الصِّحَّةِ، وَهُوَ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ بِعَدَمِ ذِكْرِ الْخِلَافِ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ لِعِلْمِ غَيْرِهَا. مِنْهَا بِالْأَوْلَى وَلِذَلِكَ قِيلَ فِيهَا: إنَّهُ بِعِتْقِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ يَسْرِي إلَى الْبَاقِي، وَإِنْ رُدَّ بِأَنَّ الصِّيغَةَ وَاحِدَةٌ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي وُقُوعِ الْعِتْقِ مُشَقَّصًا أَوَّلًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ ظَهَرَ عَدَمُ إجْزَاءِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَقَعَ الْآخَرُ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْ الْكَفَّارَتَيْنِ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَعْتَقْت نِصْفَكُمَا عَنْ كَفَّارَةِ قَتْلِي، وَنِصْفَكُمَا عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارِي، أَوْ قَالَ: أَعْتَقْتُكُمَا نِصْفَكُمَا عَنْ كَذَا وَنِصْفَكُمَا عَنْ كَذَا، أَنَّهُ يَقَعُ غَيْرُ مُشَقَّصٍ قَطْعًا لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ بِنِصْفِ كُلٍّ مِنْ الْعَبْدَيْنِ، فَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُ هُنَا غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ.
قَوْلُهُ: (مُعْسِرٌ) أَيْ بِقِيمَةِ بَاقِي الْعَبْدَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا فَإِنْ أَيْسَرَ بِذَلِكَ صَحَّ لَكِنْ لَا يَقَعُ مَا سَرَى عَنْ الْكَفَّارَةِ، إلَّا إنْ نَوَاهَا عِنْدَ الْإِعْتَاقِ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (بَاقِيهِمَا) أَيْ بَاقِي أَحَدِهِمَا حُرٌّ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ) أَيْ بَاقِيهِمَا مَعًا رَقِيقًا يُجْزِئُ الْعِتْقُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، أَيْ الْآنَ فَلَوْ مَلَكَ بَعْضَ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَعَتَقَهُ عَنْهَا تَبَيَّنَ الْإِجْزَاءُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ خَرَجَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ بِغَيْرِ صِفَةِ الْإِجْزَاءِ فَفِي بَاقِي الْآخَرِ مَا ذُكِرَ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْعَبْدِ) لَيْسَ قَيْدًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ، فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ: أَعْتِقْ عَبْدِي عَنْ كَفَّارَتِي بِأَلْفٍ عَلَيْك، أَوْ قَالَ لَهُ أَجْنَبِيٌّ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنْ كَفَّارَتِك بِكَذَا عَلَيَّ فَقَبِلَ، فِيهِمَا صَحَّ الْعِتْقُ لَا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَيَلْزَمُ الْمُلْتَزِمَ الْحُرَّ الْعِوَضُ، وَيَقَعُ الْعِتْقُ عَنْهُ كَمَا يَأْتِي فَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ كَأَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ أَعْطَيْتنِي كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي، أَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ: إنْ أَعْطَيْتنِي كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي؛ عَتَقَ عَنْ كَفَّارَةِ الْمَالِكِ وَلَا عِوَضَ عَلَى عَبْدٍ وَلَا غَيْرِهِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ لِوُجُودِ الْعِتْقِ حُصُولُ الصِّفَةِ مِنْ إعْطَاءِ الْعِوَضِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَاسْتَطْرَدَ) فَهِيَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا لَكِنْ لَهَا مُنَاسَبَةٌ بِمَا هُنَا
قَوْلُهُ: (قَالَ: أَعْتِقْ أُمَّ وَلَدِك عَلَى أَلْفٍ) عَلَيَّ لَك فَأَعْتَقَ نَفَذَ الْعِتْقُ، وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ إنْ لَمْ يَقُلْ الطَّالِبُ عَنِّي، أَوْ عَنَّا، وَلَا: عَتَقَتْ وَلَا مَالَ.
قَوْلُهُ: (فَأَعْتَقَ) أَيْ فَوْرًا، وَإِلَّا عَتَقَتْ وَلَا مَالَ.
قَوْلُهُ: (وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ الْمَذْكُورُ) أَيْ إنْ كَانَ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَقِيمَتُهَا عَلَى قِيَاسِ مَا يَأْتِي فِي الْعَبْدِ.
قَوْلُهُ: (أَعْتِقْ عَبْدَك) وَلَمْ يَقُلْ الطَّالِبُ: عَنِّي، أَوْ عَنْهُ أَيْ قَالَ أَعْتَقْته عَنْك بِذَلِكَ، أَوْ أَعْتَقْته بِذَلِكَ، فَإِنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: عَتَقَ عَنْ الطَّالِبِ وَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ، فَإِنْ نَوَى الْعِتْقَ لِنَفْسِهِ، أَوْ قَالَ: أَعْتَقْته عَنِّي؛ عَتَقَ عَنْ السَّيِّدِ وَلَا شَيْءَ، فَإِنْ قَالَ عَنْ كَفَّارَتِي وَقَعَ عِتْقُهَا لَا بِهِ. وَذَلِكَ لَازِمُ الطَّالِبِ، وَإِنْ قَالَ أَعْتَقْته عَنْك مَجَّانًا عَتَقَ عَنْ الطَّالِبِ وَلَا شَيْءَ.
قَوْلُهُ: (وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ) عَلَى مَا مَرَّ. وَلَوْ رَدَّ الْمُعْتِقُ الْعِوَضَ بَعْدَ الْجَوَابِ لِيَقَعَ الْعِتْقُ عَنْهُ وَلَوْ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ يَنْقَلِبْ، فَإِنْ قَالَهُ حَالَ الْجَوَابِ وَقَعَ عَنْهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ إلَخْ) . أَيْ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْبَاقِي لِغَيْرِهِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ سَرَى وَأَجْزَأَ النِّصْفَانِ، وَفِي الْأُولَى أَعْنِي، إذَا كَانَا لِغَيْرِهِ، لَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ مَلَكَ النِّصْفَ الْآخَرَ، ثُمَّ أَعْتَقَهُ أَجْزَأَ هَذَا مُحَصَّلُ مَا فِي الزَّرْكَشِيّ، وَالشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، قَالَ: فَمَا سَلَفَ لَهُ قَصْدُهُ بِهِ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي رَقِيقًا لِغَيْرِهِ لِيَصِحَّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ بَاقِيهِ حُرٌّ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْعَبْدِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ غَيْرِهِ؛ كَ أَعْتَقْتُ عَبْدِي هَذَا عَنْ كَفَّارَتِي بِأَلْفٍ عَلَيْك فَيَقْبَلُ أَوْ يَقُولُ لَهُ غَيْرُهُ: أَعْتِقْ عَنْ كَفَّارَتِك وَعَلَيَّ كَذَا فَيَفْعَلُ، فَإِنَّ الْعِتْقَ يَصِحُّ لَا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَيَلْزَمُهُ الْعِوَضُ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ إنَّمَا خَصَّ الْمَسْأَلَةَ بِالْعَبْدِ، لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْعُمُومِ يَرِدُ عَلَيْهِ نَحْوُ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنْ كَفَّارَتِي عَلَى أَلْفٍ
قَوْلُهُ: (عَلَى أَلْفٍ) لَوْ زَادَ لَفْظَةَ " عَنِّي " نَفَذَ الْعِتْقُ وَلَا عِوَضَ، قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ) قَوْلُهُ: عِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ " عَنِّي " لِقَرِينَةِ الْعِوَضِ وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (عَتَقَ عَنْ الطَّالِبِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لِأَنَّهُ إذَا عَتَقَ عَنْ الْغَيْرِ فِي السِّرَايَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ فَلَأَنْ يَقَعَ