(وَقِيلَ) فِي الْمُنْفَصِلَتَيْنِ (يُوَالِيهِمَا) بِأَنْ يُقَدِّمَ لَيْلَةَ الْوَاهِبَةِ عَلَى وَقْتِهَا، وَيَصِلَهَا بِلَيْلَةِ الْمَوْهُوبَةِ عَلَى وَقْتِهَا، وَيَصِلَهَا بِلَيْلَةِ الْوَاهِبَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ عَلَيْهِ، وَالْمِقْدَارُ لَا يَخْتَلِفُ، وَعُورِضَ ذَلِكَ بِأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ حَقِّ مَنْ بَيْنَ اللَّيْلَتَيْنِ، وَبِأَنَّ الْوَاهِبَةَ قَدْ تَرْجِعُ بَيْنَهُمَا فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَالْمُوَالَاةُ تُفَوِّتُ حَقَّ الرُّجُوعِ، وَقَوْلُهُ رَضِيَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَوْهُوبِ لَهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ (أَوْ) وَهَبَتْ (لَهُنَّ سَوَّى) بَيْنَهُنَّ فَيَجْعَلُ الْوَاهِبَةَ كَالْمَعْدُومَةِ (أَوْ) وَهَبَتْ (لَهُ فَلَهُ التَّخْصِيصُ) أَيْ تَخْصِيصُ وَاحِدَةٍ بِنَوْبَةِ الْوَاهِبَةِ لِأَنَّهَا جَعَلَتْ الْحَقَّ لَهُ فَيَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، وَيَأْتِي فِي الِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ مَا سَبَقَ (وَقِيلَ يُسَوِّي) بَيْنَ الْبَاقِيَاتِ وَلَا يُخَصِّصُ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ يُورِثُ الْوَحْشَةَ وَالْحِقْدَ، فَيَجْعَلُ الْوَاهِبَةَ كَالْمَعْدُومَةِ وَيَقْسِمُ بَيْنَ الْبَاقِيَاتِ. .
فَصْلٌ. ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ نُشُوزِهَا قَوْلًا كَأَنْ تُجِيبَهُ بِكَلَامٍ خَشِنٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَلِينُ أَوْ فِعْلًا، كَأَنْ يَجِدَ مِنْهَا إعْرَاضًا وَعَبُوسًا بَعْدَ لُطْفٍ وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ (وَعَظَهَا بِلَا هَجْرٍ) وَلَا ضَرْبٍ فَلَعَلَّهَا تُبْدِي عُذْرًا أَوْ تَتُوبُ عَمَّا جَرَى مِنْهَا، مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْوَعْظُ، كَأَنْ يَقُولَ اتَّقِي اللَّهَ فِي الْحَقِّ الْوَاجِبِ لِي عَلَيْك وَاحْذَرِي الْعُقُوبَةَ وَيُبَيِّنَ لَهَا أَنَّ النُّشُوزَ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَالْقَسْمَ، (فَإِنْ تَحَقَّقَ نُشُوزٌ وَلَمْ يَتَكَرَّرْ وَعْظٌ وَهَجْرٌ فِي الْمَضْجَعِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (وَلَا يَضْرِبُ فِي الْأَظْهَرِ قُلْت الْأَظْهَرُ يَضْرِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) ، أَيْ يَجُوزُ لَهُ الثَّلَاثَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34]
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (بِأَنْ يُقَدِّمَ إلَخْ) سَكَتَ عَنْ جَوَازِ التَّأْخِيرِ فِي الصُّورَتَيْنِ، بِأَنْ يُؤَخِّرَ لَيْلَةَ الْوَاهِبَةِ إلَى لَيْلَةِ الْمَوْهُوبَةِ أَوْ عَكْسِهِ، بِرِضَا الْمَوْهُوبَةِ وَالْمُعْتَمَدُ جَوَازُهُ قَالَ شَيْخُنَا، وَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُ حَقٍّ مِنْ بَيْنِهِمَا وَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (فِيهِ تَأْخِيرٌ حَتَّى إلَخْ) أَيْ بِغَيْرِ رِضًا مِنْهُنَّ وَإِلَّا جَازَ وَفَارَقَ اعْتِبَارَ عَدَمِ الرِّضَا مَعَ التَّقَدُّمِ لِأَنَّ فِيهِ سُرْعَةَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَحَيْثُ جَازَ فَلَيْسَ لِلْوَاهِبَةِ الرُّجُوعُ بَعْدَ مَبِيتِ لَيْلَتِهِمَا، لِأَنَّ لَيْلَتَهَا الْأَصْلِيَّةَ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لِغَيْرِهَا، وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّ الْوَاهِبَةَ قَدْ تَرْجِعُ تَعْلِيلٌ لِتَرْكِ التَّقْدِيمِ لَا لِجَوَازٍ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ إحَالَةُ الْخِلَافِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَوْ وَهَبَتْهُ لَهُنَّ) أَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (أَوْ لَهُ فَلَهُ تَخْصِيصُ وَاحِدَةٍ) أَيْ مَنْ أَرَادَ مِنْهُنَّ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فِي كُلِّ دَوْرٍ.
تَنْبِيهٌ: بَقِيَ مِنْ أَطْرَافِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ وَهَبَتْهُ لِمُبْهَمَةٍ، أَوْ لِاثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ أَوْ لَهُ أَوْ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَوْ لَهُ، وَلِاثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ أَوْ لِلْجَمِيعِ فَفِي الْأُولَى الْهِبَةُ بَاطِلَةٌ وَمَا عَدَاهَا يُعْلَمُ مِنْ الْأَخِيرَةِ، وَحُكْمُهَا أَنَّهُ فِي كُلِّ دَوْرٍ لَيْلَةٌ فَيُقْرِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ فِي أَوَّلِ دَوْرٍ، فَإِنْ خَرَجَتْ لِوَاحِدَةٍ اخْتَصَّتْ بِهَا أَوَّلَهُ جَعَلَهَا لِمَنْ أَرَادَ مِنْهُنَّ ثُمَّ بَعْدَ دَوْرٍ آخَرَ لَيْلَةٌ أَيْضًا فَيُقْرِعُ لَهَا بَيْنَ مَنْ بَقِيَ لِأَنَّ مَنْ خُصَّ بِلَيْلَةٍ لَا يَدْخُلُ فِي الْقُرْعَةِ بَعْدَهُ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ خُصَّ بِهَا كَمَا مَرَّ.
وَهَكَذَا حَتَّى يَتِمَّ أَرْبَعُ لَيَالٍ بَعْدُ أَوْ أَكْثَرُ وَحَيْثُ تَعَيَّنَتْ كُلُّ لَيْلَةٍ لِمَنْ خُصَّ بِهَا، فَلَا حَاجَةَ إلَى قُرْعَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ انْتَظَمَتْ الْأَدْوَارُ وَاللَّيَالِي وَوُقُوعُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ بَعْدَ تَمَامِ الْأَدْوَارِ لَا يُخِلُّ بِهَا فَتَأَمَّلْ، وَافْهَمْ وَمَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَلَمْ تَصِحَّ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ، وَهَذَا إذَا وَهَبَتْ لَيْلَتَهَا دَائِمًا فَإِنْ وَهَبَتْ لَيْلَةً فَقَطْ مَثَلًا لَهُ وَلَهُنَّ خَصَّ كُلًّا بِرُبْعٍ وَرُبْعُهُ يَخُصُّ بِهِ مَنْ شَاءَ، وَيُقْرِعُ فِي الِابْتِدَاءِ فِي الْكُلِّ، وَهَذَا يَجْرِي فِي الْأُولَى إذَا جَعَلَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي دَوْرِهَا، وَلَوْ مَاتَتْ الْوَاهِبَةُ بَطَلَتْ الْهِبَةُ، وَكَذَا لَوْ فَارَقَهَا وَلَوْ أَنْكَرَتْ الْهِبَةَ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ عَلَيْهِمَا إلَّا بِرَجُلَيْنِ.
فَرْعٌ: يَعْصِي بِطَلَاقِ مَنْ دَخَلَ وَقْتُ حَقِّهَا قَبْلَ وَفَائِهِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَإِنْ سَأَلَتْهُ فَلَا يَعْصِي وَيَجِبُ الْوَفَاءُ لَهَا بَعْدَ عَوْدِهَا، وَلَوْ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ مِنْ نَوْبَةِ الْمُسْتَوْفِيَةِ إنْ كَانَتْ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ فَلَا قَضَاءَ وَلَا يُحْسَبُ مَبِيتُهُ مَعَ الْمَظْلُومَةِ بَعْدَ عَوْدِهَا مِنْ الْقَضَاءِ فَتَأَمَّلْ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ فِي بَابِ الْخُلْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَصْلٌ فِي حُكْمِ الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ
قَوْلُهُ: (بَعْدَ أَنْ كَانَ إلَخْ) خَرَجَ بِالْبَعْدِيَّةِ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مَنْ هِيَ دَائِمًا. كَذَلِكَ فَلَيْسَ نُشُوزًا إلَّا إنْ زَادَ. قَوْلُهُ: (إعْرَاضًا وَعَبُوسًا) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ كَرَاهَةٍ وَبِذَلِكَ فَارَقَ السَّبَّ وَالشَّتْمَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِسُوءِ خُلُقٍ لَكِنْ لَهُ تَأْدِيبُهَا عَلَيْهِ وَلَا بِلَا حَاكِمٍ. قَوْلُهُ: (وَعْظُهَا) أَيْ نَدْبًا. قَوْلُهُ: (كَانَ كَأَنْ يَقُولَ إلَخْ) وَيُنْدَبُ أَنْ يَذْكُر لَهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ «إذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ» وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيُّمَا امْرَأَةٍ عَبَسَتْ فِي وَجْهِ زَوْجِهَا إلَّا قَامَتْ مِنْ قَبْرِهَا مُسَوَّدَةَ الْوَجْهِ، وَلَا تَنْظُرُ إلَى الْجَنَّةِ، وَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا رَاضٍ عَنْهَا دَخَلَتْ الْجَنَّةَ» . قَوْلُهُ: (فِي الْمَضْجَعِ بِفَتْحِ الْجِيمِ) قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ اسْمٌ لِلْوَطْءِ وَالْفِرَاشِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (الْأَظْهَرُ يَضْرِبُ) أَيْ إنْ أَفَادَ فِي ظَنِّهِ وَإِلَّا امْتَنَعَ. قَوْلُهُ: (يَجُوزُ لَهُ الثَّلَاثَةُ) وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَشَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ كَابْنِ حَجَرٍ وَالْخَطِيبِ أَنَّهُ لَا يَرْتَقِي لِمَرْتَبَةٍ مَعَ الِاكْتِفَاءِ بِمَا دُونَهَا كَمَا فِي الصَّائِلِ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ حَدًّا كَالتَّعْزِيرِ بَلْ هُوَ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ يَضْمَنُ بِهِ.
فَصْلٌ:
ظَهَرَتْ إلَخْ قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَكَرَّرْ وَعْظٌ إلَخْ) لَوْ صَدَرَ مِنْهَا شَتْمٌ لَهُ وَبَذَاءَةُ لِسَانٍ فَهَلْ لَهُ تَأْدِيبُهَا، أَوْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ، وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا مَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ فِي رَفْعِهَا إلَى الْحَاكِمِ مَشَقَّةً وَعَارًا وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضْرِبُ فِي الْأَظْهَرِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ مَا جَرَى قَدْ يَكُونُ لِعَارِضٍ سَرِيعِ الزَّوَالِ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَى التَّأْدِيبِ.