وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ، فَلْيَأْتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَالثَّالِثُ يَحْمِلُهُ عَلَى النَّدْبِ مُوَافَقَةً لِلْمُجَابِ إلَيْهِ، وَيَدْفَعُ ذَلِكَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ، وَتُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَالثَّانِي يُنْظَرُ إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ إظْهَارُ النِّكَاحِ بِالدُّعَاءِ إلَى وَلِيمَتِهِ، وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِحُضُورِ الْبَعْضِ أَمَّا الْإِجَابَةُ إلَيْهَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا، فَوَاجِبَةٌ جَزْمًا وُجُوبَ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُرَادُ فِي الْأَحَادِيثِ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ عِنْدَهُمْ، أَمَّا غَيْرُهَا كَوَلِيمَةِ الْوِلَادَةِ وَالْخِتَانِ فَمُسْتَحَبَّةٌ قَطْعًا، وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ وَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا مُسْتَحَبَّةٌ قَطْعًا وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ.

(وَإِنَّمَا تَجِبُ) الْإِجَابَةُ (أَوْ تُسَنُّ) كَمَا تَقَدَّمَ (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخُصَّ الْأَغْنِيَاءَ) بِالدَّعْوَةِ فَإِنْ خَصَّهُمْ بِهَا انْتَفَى طَلَبُ الْإِجَابَةِ عَنْهُمْ حَتَّى يَدْعُوَ الْفُقَرَاءَ مَعَهُمْ (وَأَنْ يَدْعُوَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ) أَيْ يَخُصُّهُ بِالدَّعْوَةِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمِرْسَالِهِ، فَإِنْ فَتَحَ دَارِهِ وَقَالَ لِيَحْضُرْ مَنْ شَاءَ أَوْ مَنْ شَاءَ فُلَانٌ، فَلَا تُطْلَبُ الْإِجَابَةُ هُنَا، وَقَوْلُهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَكْمَلَ الْمُرَادَ

ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (فَقَدْ أَوْلَمَ) هُوَ دَلِيلُ الْفِعْلِ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ.

قَوْلُهُ: (بِحَيْسٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ تَمْرٌ وَسَمْنٌ وَأَقِطٌ مَخْلُوطَةٌ، وَقَدْ يُجْعَلُ بَدَلَ الْأَقِطِ دَقِيقٌ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهَا لَا تَتَقَيَّدُ بِقَدْرٍ مَخْصُوصٍ، فَتَحْصُلُ بِكُلِّ طَعَامٍ وَفَارَقَتْ الْعَقِيقَةَ بِالنَّصِّ فِيهَا عَلَى شَاتَيْنِ أَوْ شَاةٍ لَكِنَّ أَقَلَّ الْكَمَالِ هُنَا لِلتَّمَكُّنِ بِمَا فِي الْفِطْرَةِ شَاةٌ.

قَوْلُهُ: (وَالثَّالِثُ يَحْمِلُهُ عَلَى النَّدْبِ) قِيَاسًا عَلَى الْأُضْحِيَّةَ وَبَقِيَّةِ الْوَلَائِمِ. قَوْلُهُ: (لِلْمُجَابِ إلَيْهِ) وَهُوَ الْوَلِيمَةُ لِأَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَأُورِدَ عَلَيْهِ رَدُّ السَّلَامِ مَعَ ابْتِدَائِهِ وَإِنْظَارُ الْمُعْسِرِ مَعَ إبْرَائِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا نَقْضَ بِالْمُسْتَثْنَى أَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ الْأَصْلِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَيُدْفَعُ ذَلِكَ) أَيْ حَمْلُهُ عَلَى النَّدْبِ.

قَوْلُهُ: (يُدْعَى إلَخْ) حَالٌ مُقَيِّدَةٌ لِكَوْنِهَا شَرًّا، وَمَا قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ التَّنْفِيرُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَغَيْرُ صَحِيحٍ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ لَمْ يُجِبْ إلَخْ) أَيْ إذَا خَلَتْ عَنْ ذَلِكَ الْقَيْدِ لَا مُطْلَقًا وَعَلَى هَذَا فَلَا إشْكَالَ وَلَا اعْتِرَاضَ، وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ مَعَ وَصْفِ الْوَلِيمَةِ بِكَوْنِهَا مِنْ الشَّرِّ، مِنْ أَبْعَدِ الْبَعِيدِ إذْ الشَّرُّ مِمَّا يُطْلَبُ الْبَعْدُ عَنْهُ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ أَوْ يَجُوزُ الْحُضُورُ إلَيْهِ فَضْلًا عَنْ الْوُجُوبِ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (الْمَعْهُودُ) فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهَا وَيُبْطِلُ هَذَا الْحَمْلَ حَدِيثُ «إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ» كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد لَكِنَّهُمْ حَمَلُوهُ عَلَى النَّدْبِ فِي غَيْرِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ، لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ وَمِنْهُ طَلَبُ الْإِعْلَانِ فِي النِّكَاحِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ وَلَوْ فِي الْمَسَاجِدِ» لَكِنَّهُ ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ. قَوْلُهُ: (أَمَّا غَيْرُهَا) وَمِنْهُ وَلِيمَةُ التَّسَرِّي.

قَوْلُهُ: (وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ) أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا تَجِبُ) أَيْ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ عَلَى الرَّاجِحِ وَفِي غَيْرِهَا عَلَى الْمَرْجُوحِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ تُسَنُّ) عَلَى الرَّاجِحِ فِي غَيْرِ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَفِيهَا عَلَى الْمَرْجُوحِ وَسَوَاءٌ فِي طَلَبِ الْحُضُورِ عَلَى الْوُجُوبِ وَغَيْرِهِ، الْحُرُّ وَلَوْ أُنْثَى بِإِذْنِ حَلِيلِهَا فِي دَعْوَةِ النِّسَاءِ كَمَا يَأْتِي وَالْمَحْجُورُ كَالرَّشِيدِ وَالرَّقِيقُ وَالْمُبَعَّضُ، وَهُوَ فِي نَوْبَتِهِ كَالْحُرِّ وَفِي غَيْرِهَا كَالْقِنِّ فَيَحْتَاجُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ وَالْمُكَاتَبُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ، إلَّا إنْ كَانَ الْحُضُورُ يُفَوِّتُ عَلَيْهِ الْكَسْبَ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْخَطِيبُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ) هُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ أَيْ بِشُرُوطٍ أَوْصَلَهَا بَعْضُهُمْ إلَى نَحْوِ عِشْرِينَ شَرْطًا أَوْ أَكْثَرَ وَسَتَأْتِي كُلُّهَا أَوْ غَالِبُهَا مِنْهَا إسْلَامُ دَاعٍ وَمَدْعُوٍّ فَلَا وُجُوبَ مَعَ كُفْرِ أَحَدِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْمُطَالَبَةُ فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ عُوقِبَ فِي الْآخِرَةِ بَلْ يُكْرَهُ حِينَئِذٍ إلَّا لِجِوَارٍ أَوْ رَجَاءَ إسْلَامٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ وَغَيْرُهَا لِأَنَّ مُخَالَطَتَهُمْ مَكْرُوهَةٌ، وَالْمَيْلُ إلَيْهِمْ حَرَامٌ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ بِالْمَدْعُوِّ مُطْلَقًا مُرَخِّصٌ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ الْجُمُعَةِ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الدَّاعِي مُرَادُهُ الْمُبَاهَاةُ أَوْ فَاسِقًا أَوْ شِرِّيرًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَظَالِمٍ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَتَعَدَّدَ الدَّاعِي فَإِنْ تَعَدَّدَ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ، ثُمَّ الْأَقْرَبُ رَحِمًا ثُمَّ دَارًا ثُمَّ يُقْرَعُ وُجُوبًا فِي ذَلِكَ فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ، وَنَدْبًا فِي غَيْرِهَا وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ قَاضِيًا إلَّا فِي أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِمَا.

وَأَلْحَقَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ كُلَّ ذِي وِلَايَةٍ عَامَّةٍ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى مَحَلِّ الْوَلِيمَةِ، حَاجِبٌ يَتَوَقَّفُ الْمَدْعُوُّ فِي الدُّخُولِ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَعْتَذِرَ الْمَدْعُوُّ لِلدَّاعِي، وَيَقْبَلَ عُذْرَهُ وَمِنْهَا أَنْ لَا يُعَارِضَ الدَّعْوَةَ أَهَمُّ مِنْهَا كَصَلَاةِ جِنَازَةٍ وَأَدَاءِ شَهَادَةٍ وَمِنْهَا تَعْيِينُ الْمَدْعُوِّ إلَّا إنْ قَالَ لِيَحْضُرْ مَنْ شَاءَ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الدَّاعِي امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ خَلْوَةً.

وَمِنْهَا مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدَةٌ أَمْ تَتَعَدَّدُ أَمْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهِنَّ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا مَحَلُّ نَظَرٍ. قَوْلُهُ: (وَاجِبَةٌ) هُوَ شَامِلٌ لِلْمُعْسِرِ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ يَحْمِلُهُ عَلَى النَّدْبِ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا، قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَقِيَاسًا عَلَى الْأُضْحِيَّةِ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَوَجَبَتْ الشَّاةُ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا قُلْت وَفِي الْأَخِيرِ نَظَرٌ.

قَوْلُهُ: (مُوَافِقَةٌ لِلْمُجَابِ إلَيْهِ) يُرَدُّ بِرَدِّ السَّلَامِ.

قَوْلُهُ: (يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ إلَخْ) هُوَ حَالٌ مُقَيَّدَةٌ بِسَبَبِهَا تَكُونُ الْوَلِيمَةُ شَرَّ الطَّعَامِ فَلَوْ دَعَا عَامًّا لَمْ تَكُنْ شَرًّا لَكِنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ. لَا يَسْقُطُ الطَّلَبُ فَيُشْكَلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّ تَخْصِيصَ الْأَغْنِيَاءِ مَانِعٌ مِنْ الْوُجُوبِ.

قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخُصَّ الْأَغْنِيَاءَ) أَيْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرُّ الطَّعَامِ الْحَدِيثُ وَانْظُرْ مَا سَلَفَ فِي الْحَاشِيَةِ السَّابِقَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015