حَدِيثٌ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ حَدِيثَ «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا» ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
(وَالْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ) بِأَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا، (يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ) دُونَ الْمُسَمَّى لِفَسَادِ النِّكَاحِ، (لَا الْحَدَّ) لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُصَحِّحُهُ نَعَمْ يُعَزَّرُ مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ
(وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ بِالنِّكَاحِ إنْ اسْتَقَلَّ بِالْإِنْشَاءِ) ، وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِأَنْ كَانَ مُجْبَرًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى إنْشَاءٍ بِالنِّكَاحِ، حِينَئِذٍ (وَإِلَّا) . أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِإِنْشَاءِ النِّكَاحِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِهِ، بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مُجْبَرٍ (فَلَا) يُقْبَلُ إقْرَارٌ بِهِ عَلَيْهَا لِانْتِفَاءِ قُدْرَتِهِ عَلَى إنْشَائِهِ، بِدُونِ رِضَاهَا
(وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بِالنِّكَاحِ) لِمَنْ صَدَقَهَا النِّكَاحُ حَقَّ الزَّوْجَيْنِ، فَيَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَالْقَدِيمُ، لَا يُقْبَلُ إذَا كَانَا بَلَدِيَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَسْهُلُ عَلَيْهِمَا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الْغَرِيبَيْنِ، وَعَلَى الْجَدِيدِ قِيلَ: يَكْفِي إطْلَاقُ الْإِقْرَارِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (يُعَزِّرُ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَمُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ فَاعِلُهُ عَائِدٌ إلَى الْحَاكِمِ لِيَدْخُلَ مَا لَوْ رَفَعَ إلَيْهِ مَنْ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ، فَإِنَّهُ يُعَزِّرُهُ نَعَمْ إنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ فَلَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ) الْمُرَادُ بِهِ الْمُجْبِرُ فَتَدْخُلُ الْمَجْنُونَةُ، وَيَشْمَلُ السَّيِّدَ وَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِ الْإِقْرَارِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَوَابِ دَعْوَى وَشَمِلَ مَا ذُكِرَ مَا لَوْ كَذَّبَهُ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَالشُّهُودُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَقْتَ الْإِقْرَارِ) أَيْ لَا قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بِالنِّكَاحِ) ثُمَّ يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَلَوْ سَفِيهَةً أَوْ فَاسِقَةً أَوْ بِغَيْرِ كُفْءٍ أَوْ كَذَّبَهَا الْوَلِيُّ وَالشُّهُودُ وَالسَّكْرَى كَالْعَاقِلَةِ. قَوْلُهُ: (لِمَنْ صَدَّقَهَا) شَمِلَ الْعَبْدَ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ سَيِّدِهِ، وَالسَّفِيهِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ وَلِيِّهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ تَصْدِيقٌ مِنْهُمَا لَكِنْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا التَّزْوِيجُ إلَّا بِطَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ، وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ إنْ صَدَّقَتْهُ كَعَكْسِهِ وَخَرَجَ بِالتَّصْدِيقِ، مَا لَوْ كَذَّبَهَا أَوْ عَكْسُهُ فَلَا يَثْبُتُ، وَلَا إرْثَ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ لَوْ مَاتَ لَكِنْ لَهَا الرُّجُوعُ عَنْ التَّكْذِيبِ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَحِينَئِذٍ تَرِثُ مِنْهُ وَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ، وَمَا لَوْ سَكَتَ أَوْ عَكْسُهُ فَلَا يَثْبُتُ أَيْضًا، لَكِنْ يَرِثُ السَّاكِتُ مِنْ الْآخَرِ دُونَ عَكْسِهِ، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِهِ وَأُخْرَى، أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهَا فِي نِكَاحِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَعَدُّدُ الْعَقْدِ عَمِلَ بِهِمَا، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَقَرَّتْ لِوَاحِدٍ، وَوَلِيُّهَا لِآخَرَ عُمِلَ بِالْأَسْبَقِ فَإِنْ وَقَعَا مَعًا عُمِلَ بِإِقْرَارِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ عَلِمَ السَّبْقَ وَنَسِيَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ، وَلَوْ جُهِلَ السَّبْقُ أَوْ عَيْنُ السَّابِقُ وَجَبَ التَّوَقُّفُ أَيْضًا إنْ رُجِيَ وَإِلَّا بَطَلَا وَانْظُرْ إذَا قَدَّمْنَا إقْرَارَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَمَاتَ مَنْ أَقَرَّتْ لَهُ أَوْ طَلَّقَهَا هَلْ تَرْجِعُ لِلْآخَرِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (فَيَثْبُتُ إلَخْ) وَعَلَى هَذَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى يُطَلِّقَهَا، أَوْ يَمُوتَ وَتَعْتَدَّ. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَحَلُّهُ إنْ يَكُنْ إقْرَارُهَا فِي جَوَابِ دَعْوَى كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (وَلِلْأَبِ) وَإِنْ لَمْ يَلِ مَالَهَا كَطُرُوِّ سَفَهٍ بَعْدَ رُشْدٍ. قَوْلُهُ: (صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً) عَاقِلَةً أَوْ مَجْنُونَةً، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُزَوِّجُ الْبِنْتَ الْمَجْنُونَةَ وَلَوْ صَغِيرَةً. قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ إذْنِهَا) وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ حِينَئِذٍ عَدَمُ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ مِنْ الْوَلِيِّ لَهَا بِأَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهَا، أَهْلُ مَحَلِّهَا، وَكَوْنُ الزَّوْجِ كُفُؤًا وَمُوسِرًا أَيْ قَادِرًا عَلَى حَالِ الصَّدَاقِ لَيْسَ عَدُوًّا لَهَا وَلَوْ بَاطِنًا حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ، وَيُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ كَوْنُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ حَالًّا كُلُّهُ، وَالْمُرَادُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِيهَا، وَلَوْ عُرُوضًا، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْحُلُولِ، وَالْمُرَادُ بِقُدْرَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِقَدْرِهِ مِمَّا يُبَاعُ فِي الدِّينِ، قَالَ شَيْخُنَا: وَإِذَا حَرُمَ الْإِقْدَامُ فَسَدَ عَقْدُ الصَّدَاقِ فَقَطْ، وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، وَيَرْجِعُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا كَانَ غَيْرُ نَقْدِ الْبَلَدِ أَكْثَرَ مِنْهُ قَالَ: وَإِذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ بَطَلَ النِّكَاحُ كَمَا مَرَّ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا فِي نَحْوِ مَا لَوْ عَقَدَ لِمَنْ مَهْرُهَا مِائَةٌ بِمِائَتَيْنِ حَالَّتَيْنِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مِائَةٍ فَقَطْ فَرَاجِعْهُ. وَخَرَجَ بِالْعَدَاوَةِ الْكَرَاهَةُ لِنَحْوِ بُخْلٍ أَوْ عَمًى أَوْ تَشَوُّهِ خِلْقَةٍ فَيُكْرَهُ التَّزْوِيجُ فَقَطْ. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَلَا حَاجَةَ لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ عَدَاوَةِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ شَفَقَةَ الْوَلِيِّ تَدْعُوهُ إلَى أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا مِنْ عَدُوِّهَا انْتَهَى، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَوَكِيلُ الْوَلِيِّ مِثْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ.
تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى اعْتِبَارِ تِلْكَ الشُّرُوطِ عَدَمُ صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ جَهْلِ الْوَلِيِّ بِهَا فَرَاجِعْهُ. مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي اعْتِبَارِ التَّحْلِيلِ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَمَحَلُّ اعْتِبَارِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَرْأَةِ إذْنٌ فِي التَّزْوِيجِ كَمَا يَأْتِي فِي الْخِيَارِ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْكَبِيرَةِ) وَكَذَا الْمُمَيِّزَةُ وَيُنْدَبُ أَنْ لَا تُزَوَّجَ حَتَّى تَبْلُغَ. قَوْلُهُ: (ثَيِّبٌ) وَإِنْ عَادَتْ بَكَارَتُهَا. قَوْلُهُ: (صَغِيرَةٌ) أَيْ حُرَّةٌ عَاقِلَةٌ أَوْ سَكْرَى كَمَا مَرَّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (نَعَمْ يُعَزَّرُ إلَخْ) مِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّ نَفْيَ الْحَدِّ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مُعْتَقِدِ التَّحْرِيمِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْقَدِيمُ لَا يُقْبَلُ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ عَلَى هَذَا جَوَازُ نِكَاحِهَا لِغَيْرِهِ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ مَنْعَ ذَلِكَ حَتَّى يُطَلِّقَهَا كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَكِيلِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلِلْأَبِ إلَخْ) شَمِلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ الرَّتْقَاءَ وَالْقَرْنَاءَ وَالصَّغِيرَةَ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ.