غَيْرُهُ، بِحِكَايَتِهَا فِي الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يُبَالِ بِتَعْلِيلِ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ، مَا أَطْلَقَهُ بِخَوْفِ الِافْتِتَانِ، وَلَا تَعْلِيلِ صَاحِبِ الْبَيَانِ مَا نَقَلَهُ الدَّارَكِيُّ عَنْ النَّصِّ بِأَنَّهُ يُفْتَنُ، وَقَدْ اعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: مَا ذُكِرَ مِنْ الْحُرْمَةِ عِنْدَ عَدَمِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي مُخَالَطَةِ الصِّبْيَانِ مِنْ عَصْرِ الصَّحَابَةِ إلَى الْآنَ فِي الْمَكَاتِبِ، وَمَحَالِّ الصَّنَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَشْعَرَ ذَلِكَ، فَدَفَعَهُ بِمَا سَيَأْتِي لَهُ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ لِلتَّعْلِيمِ
(وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ) فِي حُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهَا، (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْمَرْأَةُ مَعَ امْرَأَةٍ كَرَجُلٍ وَرَجُلٍ) ، فَيَحِلُّ نَظَرُهَا إلَيْهَا إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ، وَرُكْبَةٍ فَيَحْرُمُ نَظَرُهُ، (وَالْأَصَحُّ بِتَحْرِيمِ نَظَرِ ذِمِّيَّةٍ إلَى مُسْلِمَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] وَالذِّمِّيَّةُ لَيْسَتْ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ، فَلَا تَدْخُلُ الْحَمَّامَ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ، نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ تَرَى مِنْهَا مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ، وَقِيلَ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ، وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْجِنْسِ.
(وَ) الْأَصَحُّ (جَوَازُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى بَدَنِ أَجْنَبِيٍّ سِوَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ إنْ لَمْ تَخَفْ فِتْنَةً) ؛ لِأَنَّ مَا سِوَى مَا بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِنْهُ، (قُلْت الْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ كَهُوَ) أَيْ كَنَظَرِهِ (إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ تَعَالَى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] وَالثَّالِثُ يَجُوزُ إلَى مَا يَبْدُو فِي الْمِهْنَةِ فَقَطْ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ خَافَتْ فِتْنَةً حَرُمَ قَطْعًا (وَنَظَرَهَا إلَى مَحْرَمِهَا كَعَكْسِهِ) أَيْ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحْرَمِهِ، فَتَنْظُرُ مِنْهُ مَا سِوَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَقِيلَ مَا يَبْدُو مِنْهُ فِي الْمِهْنَةِ فَقَطْ، وَهُوَ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ
، (وَمَتَى حَرُمَ النَّظَرُ حَرُمَ الْمَسُّ) ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اللَّذَّةِ مِنْهُ فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ ذَلِكَ، مَسُّ فَخْذِ رَجُلٍ بِلَا حَائِلٍ وَيَجُوزُ مِنْ فَوْقِ إزَارٍ إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً، وَقَدْ يَحْرُمُ الْمَسُّ حَيْثُ لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ كَمَسِّ وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَيَحْرُمُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (لَمْ يُبَالِ إلَخْ) هُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَأَخَذَ إلَخْ، وَفِيهِ تَحَامُلٌ أَيْضًا عَلَيْهِ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ مُبَالٍ بِهِ، وَلَكِنَّهُ فَهِمَ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ شَأْنَهُ ذَلِكَ لَا وُجُودُهُ بِالْفِعْلِ، وَيَدُلُّ لَهُ تَعْلِيلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ بِالْمُضَارِعِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ اعْتَرَضَ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ الِاعْتِرَاضِ السَّابِقِ. قَوْلُهُ: (مَنْ عُصُرِ إلَخْ) بِضَمِّ أَوَّلَيْهِ مَعًا أَوْ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَرْأَةُ إلَخْ) وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْمُرَاهِقَةَ، وَلَوْ فَاسِقَةً فِي الشِّقَّيْنِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي جَعْلِهَا كَالذِّمِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (تَحْرِيمُ نَظَرِ ذِمِّيَّةٍ) الْمُرَادُ كَافِرَةً، وَلَوْ مُرْتَدَّةً أَوْ زَوْجَةَ مُسْلِمٍ. قَوْلُهُ: (إلَى مُسْلِمَةٍ) أَيْ وَلَا مَمْلُوكِيَّةٍ وَلَا مَحْرَمِيَّةٍ. وَأَمَّا عَكْسُ مَا ذُكِرَ هُوَ نَظَرُ الْمُسْلِمَةِ إلَى الذِّمِّيَّةِ فَجَائِزٌ لِغَيْرِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ تَرَى) أَيْ الذِّمِّيَّةُ مِنْ الْمُسْلِمَةِ مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَيُقَيَّدُ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ) أَيْ فِي غَيْرِ الْعَوْرَةِ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (قُلْت الْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ) فَيَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَسْتُرَ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَنْظُرُ إلَيْهِ مِنْهُ كَعَكْسِهِ. قَوْلُهُ: (كَهُوَ إلَيْهَا) الْمُتَّفَقُ عَلَى حُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُنَّ مَحَلُّ الشَّهْوَةِ أَصَالَةً، وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْمُرَاهِقَةَ، كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَمِنْ هُنَا عُلِمَ اخْتِصَاصُ النِّسَاءِ بِالْمَنْعِ مِنْ خُرُوجِهِنَّ سَافِرَاتِ الْوَجْهِ، وَلِأَنَّ سِتْرَهُنَّ أَسْهَلُ مِنْ سَتْرِ الرِّجَالِ وَلِقِلَّةِ بُرُوزِهِنَّ فِي الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ مَا يَبْدُو فِي الْمِهْنَةِ أَيْ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَتَقَدَّمَ خِلَافُهُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ، وَعُلِمَ بِمَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي نَفْسِ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَقَطْ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَمَتَى حَرُمَ إلَخْ) وَمِنْهُ مَا أُبِينَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ أَمْرَدَ كَشَعْرٍ وَظُفُرٍ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَبْلَغُ) بِدَلِيلِ بُطْلَانِ الصَّوْمِ. بِالْإِنْزَالِ مَعَهُ لَا مَعَ النَّظَرِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ مِنْ فَوْقِ إزَارٍ) وَلَوْ رَقِيقًا حَيْثُ مَنَعَ مِنْ نَقْضِ الْوُضُوءِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ يَحْرُمُ نَظَرُ زَوْجَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ فِي الْإِزَارِ وَلَعَلَّ بَقِيَّةَ الْأَنْبِيَاءِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً أَوْ شَهْوَةً) وَإِلَّا حَرُمَ وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ كَثِيفًا جِدًّا قَالَ شَيْخُنَا سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْجِنْسُ فِي ذَلِكَ أَوْ اخْتَلَفَ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ يَحْرُمُ الْمَسُّ حَيْثُ لَا يَحْرُمُ النَّظَرُ) لَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ عَكْسُ مَا فِيهِ وَلَا يُسْتَثْنَى مِمَّا فِيهِ شَيْءٌ. قَوْلُهُ: (كَمَسِّ وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ) وَمِثْلُهُ مَسُّ الْعَبْدِ شَيْئًا مِنْ بَدَنِ سَيِّدَتِهِ، وَعَكْسُهُ وَكَذَا مَسُّ مَمْسُوحٍ أَوْ عَكْسُهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْأَصَحُّ إلَخْ) أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 59] الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (تَحْرِيمُ نَظَرِ ذِمِّيَّةٍ) مِثْلُهَا فِيمَا يَظْهَرُ الْفَاسِقَةُ الْمُسَاحَقَةُ، وَقَوْلُهُ: ذِمِّيَّةٌ أَيْ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِلْمُسْلِمَةِ وَمِثْلُهَا مَحَارِمُهَا الْكَافِرَاتُ فِيمَا يَظْهَرُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (قُلْت الْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ كَهُوَ إلَيْهَا) أَيْ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي رُؤْيَتِهَا لِلَعِبِ الْحَبَشَةِ، فَقَدْ أَوَّلَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى رُؤْيَتِهَا اللَّعِبَ وَالْحِرَابَ دُونَ الْأَبَدَانِ انْتَهَى. قَوْلُهُ: (إلَى مَا يَبْدُو فِي الْمِهْنَةِ) اعْلَمْ أَنَّهُ فِيمَا سَلَف قَدْ فَسَّرَ مَا يَبْدُو فِي مِهْنَةِ الْمَرْأَةِ بِمِثْلِ الرَّأْسِ وَالْعُنُقِ وَالْوَجْهِ إلَخْ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ هُنَا أَيْضًا مِثْلَ ذَلِكَ، لَكِنْ سَيَأْتِي قَرِيبًا تَفْسِيرُ مَا يَبْدُو فِي مِهْنَةِ الرَّجُلِ الْمَحْرَمِ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ، فَالظَّاهِرُ جَرَيَانُ ذَلِكَ هُنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ يَبْدُو فِي مِهَنِهِمْ ذَلِكَ غَالِبًا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُخَيَّلَ فَارِقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَحْرَمَ الرَّجُلُ مَعَ مَحَارِمِهِ الْإِنَاثِ يَبْدُو وَفِي مِهْنَتِهِ مَعَهُنَّ مِثْلُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَهَذَا الْفَرْقُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى إلَّا أَنَّ صَنِيعَ الشَّارِحِ يُؤَيِّدُهُ حَيْثُ تَرَكَ هُنَا التَّفْسِيرَ، بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِهِ إلَّا فِي مِهْنَةِ الرَّجُلِ الْمَحْرَمِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَعَلَى الْأَخِيرِ يَلْزَمُ اتِّحَادُ الثَّالِثِ وَالْأَوَّلِ إلَّا فِي نَفْسِ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْإِمَامِ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ مِنْ الرَّجُلِ لَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ انْتَهَى ثُمَّ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ يَظْهَرُ فِي السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَمَتَى حَرُمَ النَّظَرُ حَرُمَ الْمَسُّ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ طَرْدًا وَعَكْسًا فَالْأَوَّلُ الْعُضْوُ الْمُبَانُ يَحْرُمُ نَظَرُهُ دُونَ مَسِّهِ، وَحَلْقَةُ