قَبْلَ الْخِطْبَةِ بَيَانٌ لِوَقْتِ النَّظَرِ، وَلَوْ كَانَ وَقْتُهُ بَعْدَهَا لَشَقَّ عَلَى الْمَرْأَةِ تَرْكُ النَّاظِرِ لَهَا نِكَاحَهَا، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ خَطَبَ امْرَأَةً أَيْ عَزَمَ عَلَى خِطْبَتِهَا (وَلَهُ تَكْرِيرُ نَظَرِهِ) ، لِيَتَبَيَّنَ هَيْئَتَهَا فَلَا يَنْدَمَ بَعْدَ نِكَاحِهَا عَلَيْهِ، (وَلَا يَنْظُرُ غَيْرَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ مِنْهَا وَفِي نَظَرِهِمَا كِفَايَةٌ، فَإِنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِالْوَجْهِ عَلَى الْجَمَالِ وَبِالْكَفَّيْنِ عَلَى خَصِبَ الْبَدَنِ، وَيَنْظُرُهُمَا ظَهْرًا وَبَطْنًا
(وَيَحْرُمُ نَظَرُ فَحْلٍ بَالِغٍ إلَى عَوْرَةِ حُرَّةٍ كَبِيرَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ) ، مُطْلَقًا قَطْعًا وَالْمُرَادُ بِالْكَبِيرَةِ غَيْرُ الصَّغِيرَةِ، الَّتِي لَا تُشْتَهَى، (وَكَذَا وَجْهُهَا وَكَفُّهَا) ، أَيْ كُلُّ كَفٍّ مِنْهَا (عِنْدَ خَوْفِ فِتْنَةٍ) . أَيْ دَاعٍ إلَى الِاخْتِلَاءِ بِهَا وَنَحْوِهِ (وَكَذَا عِنْدَ الْأَمْنِ) ، مِنْ الْفِتْنَةِ فِيمَا يَظْهَرُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ، وَمُحَرِّكٌ لِلشَّهْوَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] ، وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] ، وَهُوَ مُفَسَّرٌ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ نَعَمْ يُكْرَهُ، وَالْكَفُّ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِعْصَمِ لَا الرَّاحَةُ فَقَطْ
(وَلَا يَنْظُرُ مِنْ مَحْرَمِهِ بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) ، أَيْ يَحْرُمُ نَظَرُ ذَلِكَ (وَيَحِلُّ) نَظَرُ (مَا سِوَاهُ) قَالَ تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور: 31] وَالزِّينَةُ مُفَسَّرَةٌ بِمَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ، وَالرُّكْبَةِ (وَقِيلَ) يَحِلُّ نَظَرُ (مَا يَبْدُو فِي الْمِهْنَةِ) أَيْ الْخِدْمَةِ (فَقَطْ) كَالرَّأْسِ وَالْعُنُقِ وَالْوَجْهِ، وَالْكَفِّ، وَالسَّاعِدِ وَطَرَفِ السَّاقِ؛ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ الْمَحْرَمُ بِالنَّسَبِ، وَالْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ
(وَ) الْأَصَحُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (قَبْلَ الْخِطْبَةِ) قَيْدٌ لِلنَّدَبِ فَيَجُوزُ بَعْدَهَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ أَيْضًا وَالتَّقْيِيدُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الْمَنْعِ قَبْلَهَا لِعَدَمِ التَّأْكِيدِ بِتَقْدِيمِهَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ) وَلَوْ مَعَ شَهْوَةٍ أَوْ خَوْفِ فِتْنَةٍ لَا مَعَ خَلْوَةٍ، وَالْأَوْلَى كَوْنُ النَّظَرِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا لِئَلَّا تَتَزَيَّنَ لَهُ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يُؤْدَمَ) مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ وَبَعْدَ أَوَّلِهِ هَمْزَةٌ قَدْ تُبْدَلُ بِالْوَاوِ، وَقِيلَ: أَصْلُهُ يَدُومُ فَقُدِّمَتْ الْوَاوُ عَلَى الدَّالِ، وَهُمِزَتْ فَهُوَ مِنْ الدَّوَامِ وَقِيلَ: لَا تَقْدِيمَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْإِدَامِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ يَطِيبُ بِهِ وَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ رُبَّمَا لَا يُوَافِقُ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (بَيَانٌ لِوَقْتِ النَّظَرِ) يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ بَيَانٌ لِوَقْتِ النَّظَرِ الْمَنْدُوبِ فَيُوَافِقُ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَيَانٌ لِوَقْتِ النَّظَرِ الْأَكْمَلِ فَيُوَافِقُ مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَيَانٌ لِوَقْتِ النَّظَرِ الْجَائِزِ فَيَمْتَنِعُ بَعْدَ الْخِطْبَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدَهُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ) كَانَ الْأَنْسَبُ التَّفْرِيعَ بِالْفَاءِ لِمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (أَيْ عَزَمَ) هُوَ تَأْوِيلٌ لِدَفْعِ حُرْمَةِ النَّظَرِ قَبْلَ الْخِطْبَةِ مَعَ أَنَّهُ الْمَنْدُوبُ أَوْ الْجَائِزُ أَوْ الْأَكْمَلُ؛ لِأَنَّهُ يُسَنُّ بَعْدَهَا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ تَكْرِيرُ نَظَرِهِ) وَلَا يَتَقَيَّدُ بَعْدُ مَا دَامَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ غَيْرَ الْعَوْرَةِ مِنْهَا، أَيْ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُرَّةِ أَمَّا الْأَمَةُ فَيَنْظُرُ مِنْهَا غَيْرَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِوَاءُ الْحُرَّةِ، وَالْأَمَةِ لِعُدُولِهِ عَنْ الْعَوْرَةِ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ مَرْجُوحٌ، وَيُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ أَيْضًا غَيْرَ مَا ذُكِرَ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَنْظُرُ مِنْ الْآخَرِ مَا عَدَا عَوْرَةَ الصَّلَاةِ.
تَنْبِيهٌ: فَرَّقُوا فِي النَّظَرِ هُنَا بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، بِخِلَافِ مَا سَيَأْتِي فِي نَظَرِ الْأَجْنَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ هُنَا مَأْذُونٌ فِيهِ، وَلَوْ مَعَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ فَأُنِيطَ بِغَيْرِ الْعَوْرَةِ، وَمَا يَأْتِي غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ فَهُوَ مَنُوطٌ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ فَأُنِيطَ بِمَا يُخَافُ مِنْهَا فِيهِ وَلَوْ غَيْرَ الْعَوْرَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ نَظَرُ فَحْلٍ) هُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَسَيَأْتِي عَكْسُهُ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْفَحْلِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الِاتِّفَاقِ، وَمِثْلُهُ الْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا يَأْتِي وَالْخُنْثَى يُحْتَاطُ فِيهِ نَاظِرًا وَمَنْظُورًا. قَوْلُهُ: (بَالِغٍ) هُوَ قَيْدٌ لِعَدَمِ الْخِلَافِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (إلَى عَوْرَةٍ إلَخْ) هُوَ قَيْدٌ كَمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي غَيْرُهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ رُؤْيَةُ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا، وَإِنْ أُبِينَ كَظُفُرٍ وَشَعْرِ عَانَةٍ وَإِبْطٍ وَدَمِ حَجْمٍ وَفَصْدٍ لَا نَحْوُ بَوْلٍ كَلَبَنٍ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْمُبَانِ بِوَقْتِ الْإِبَانَةِ فَيَحْرُمُ مَا أُبِينَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ، وَإِنْ نَكَحَهَا وَلَا يَحْرُمُ مَا أُبِينَ مِنْ زَوْجَةٍ وَإِنْ أَبَانَهَا، وَشَمِلَ النَّظَرُ مَا لَوْ كَانَ مِنْ وَرَاءِ زُجَاجٍ أَوْ مُهَلْهَلِ النَّسْجِ أَوْ فِي مَاءٍ صَافٍ، وَخَرَجَ بِهِ رُؤْيَةُ الصُّورَةِ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي الْمِرْآةِ فَلَا يَحْرُمُ وَلَوْ مَعَ شَهْوَةٍ وَيَحْرُمُ سَمَاعُ صَوْتِهَا، وَلَوْ نَحْوَ الْقُرْآنِ، إنْ خَافَ مِنْهُ فِتْنَةً، أَوْ الْتَذَّ بِهِ وَإِلَّا فَلَا وَالْأَمْرَدُ فِيمَا ذُكِرَ كَالْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (حُرَّةٍ) وَلَوْ مُبَعَّضَةً؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الْأَمَةِ الْآتِيَةِ، وَيُنْدَبُ لِلْمَرْأَةِ تَغْلِيظُ صَوْتِهَا فِي خِطَابِ أَجْنَبِيٍّ. قَوْلُهُ: (أَجْنَبِيَّةٍ) هِيَ غَيْرُ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا مِنْ مَحَارِمِهِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ مَعَ شَهْوَةٍ أَوْ خَوْفِ فِتْنَةٍ أَوْ لَا، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: قَطْعًا إلَى عَدَمِ الْخِلَافِ فِيمَا ذَكَرَهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (الَّتِي لَا تَشْتَهِي) أَيْ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ لِذَوِي الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ. قَوْلُهُ: (وَكَفُّهَا) هُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهُ) أَيْ نَحْوُ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَهُوَ الشَّهْوَةُ بِأَنْ يَلْتَذَّ بِالنَّظَرِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ النَّظَرَ إلَخْ) فَيَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ الْخُرُوجُ سَافِرَاتِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْحَرَامِ، وَفَارَقَهَا الرَّجُلُ لِمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ مَا ظَهَرَ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ يُكْرَهُ) أَيْ عَلَى الثَّانِي. قَوْلُهُ: (الْمِعْصَمُ) هُوَ مِفْصَلُ الْكَفِّ مِنْ السَّاعِدِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَحْرَمِهِ) أَيْ مَنْ يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ نِكَاحِهَا فَمَحَارِمُ نَحْوِ الْمَجُوسِ الَّذِي يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُنَّ كَالْأَجَانِبِ مَعَهُمْ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَوْلُهُ: (مَا سِوَاهُ) شَمِلَ نَفْسَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ خِلَافًا لِمَا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَطِيبُ بِهِ، حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ الْأَوَّلَ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالثَّانِيَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَحْلٍ) خَرَجَ بِهِ الْمَمْسُوحُ وَسَيَذْكُرُهُ وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَحُكْمُهَا كَالْفَحْلِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إلَى عَوْرَةِ حُرَّةٍ) الْمُبَعَّضَةُ كَالْحُرَّةِ قَطْعًا، وَقِيلَ عَلَى الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ: (فِيمَا يَظْهَرُ لَهُ) دَفْعٌ لِمَا اُعْتُرِضَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْأَمْنَ حَقِيقَةً لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ مَعْصُومٍ.