فَلِمَنْ رَدَّ فِي الْحَيَاةِ الْإِجَازَةُ بَعْدَ الْوَفَاةِ وَالْعَكْسُ إذْ لَا حَقَّ لَهُ قَبْلَهَا. (وَالْعِبْرَةُ فِي كَوْنِهِ وَارِثًا بِيَوْمِ الْمَوْتِ) أَيْ بِوَقْتِهِ (وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لَغْوٌ) ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِلَا وَصِيَّةٍ (وَبِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ صَحِيحَةٌ وَتَفْتَقِرُ إلَى الْإِجَازَةِ فِي الْأَصَحِّ) لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِي الْأَعْيَانِ، وَالثَّانِي لَا تَفْتَقِرُ
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (بِالْحَمْلِ وَيُشْتَرَطُ انْفِصَالُهُ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَهَا) وَيَقْبَلُهَا الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْوَضْعِ، إنْ قُلْنَا: الْحَمْلُ يُعْلَمُ (وَبِالْمَنَافِعِ) كَالْأَعْيَانِ (وَكَذَا بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثَانِ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي لَا لِعَدَمِهِمَا الْآنَ (وَ) تَصِحُّ (بِأَحَدِ عَبْدَيْهِ) وَيُعَيِّنُهُ الْوَارِثُ (وَبِنَجَاسَةِ مَحَلِّ الِانْتِفَاعِ بِهَا كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ وَزِبْلٍ وَخَمْرٍ مُحْتَرَمَةٍ) لِثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ فِيهَا بِخِلَافِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْخِنْزِيرِ.
(وَلَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ مِنْ كِلَابِهِ) أَيْ الْمُنْتَفَعِ بِهَا فِي صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ زَرْعٍ (أَعْطَى) لِلْمُوصَى لَهُ (أَحَدَهَا) بِتَعْيِينٍ فَالْوَارِثُ (إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَلْبٌ) مُنْتَفَعٌ بِهِ (لَغَتْ) وَصِيَّتُهُ (وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَكِلَابٌ) مُنْتَفَعٌ بِهَا (وَوَصَّى بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا فَالْأَصَحُّ نُفُوذُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (وَإِنْ كَثُرَتْ) أَيْ الْكِلَابُ الْمُوصَى بِهَا. (وَقَلَّ الْمَالُ) ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهَا؛ إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَالثَّانِي لَا تَنْفُذُ إلَّا فِي ثُلُثِهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَالٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهِ حَتَّى تُضَمَّ إلَيْهِ، وَالثَّالِثُ تُقَوَّمُ بِتَقْدِيرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالتَّرِكَةِ أَوْ عَدَمَ مُشَارِكٍ فَبَانَ خِلَافَهُ، لَمْ يُصَدَّقْ إنْ كَانَتْ الْإِجَازَةُ فِي عَيْنٍ وَإِلَّا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَبَطَلَتْ إجَازَتُهُ، وَقَوْلُ الْمَنْهَجِ، فَإِنْ أَوْصَى لِوَارِثٍ عَامٍّ، كَأَنْ كَانَ وَارِثُهُ بَيْتَ الْمَالِ، فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ صَحِيحَةٌ دُونَ مَا أَرَادَ مُرَادُهُ بِالْوَارِثِ الْعَامِّ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُعَيَّنٌ هُوَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ وَارِثٌ بِجِهَةِ الْإِسْلَامِ لَا بِالْقَرَابَةِ الْخَاصَّةِ، وَالْكَافُ بِمَعْنَى الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ.
فَرْعٌ: وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ إنْ تَبَرَّعَ لِابْنِهِ فُلَانٍ بِخَمْسِمِائَةٍ مَثَلًا لَمْ يَحْتَجْ لِإِجَازَةٍ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إجَازَةٍ مِنْ بَاقِي الْوَرَثَةِ. قَوْلُهُ: (فِي حَيَاةِ الْمُوصِي) وَإِنْ طَالَتْ. قَوْلُهُ: (لِكُلِّ وَارِثٍ) خَرَجَ مَا لَوْ أَوْصَى لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ، وَلَوْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ كَأَنْ أَوْصَى لِأَحَدِ بَنِيهِ الثَّلَاثَةِ بِثُلُثِ مَالِهِ، أَوْ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ أَوْ بِمِثْلِهَا فَهِيَ صَحِيحَةٌ فَسُقُوطُ لَفْظِ كُلٍّ مِنْ عِبَارَةِ الْمَنْهَجِ سَبْقُ قَلَمٍ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ لَفْظِ قَدْرَ، أَوْ مِثْلَ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَالْمَعْنَى عَلَى تَقْدِيرِهِ، كَمَا هُوَ الرَّاجِحُ الْمُعْتَمَدُ فَرَاجِعْهُ
قَوْلُهُ: (بِالْحَمْلِ) أَيْ الْمَوْجُودِ حَالَ الْوَصِيَّةِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا بَعْدَهُ وَيَرْجِعُ فِي كَوْنِهَا حَامِلًا لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَفِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (حَيًّا) خَرَجَ مَا لَوْ انْفَصَلَ مَيِّتًا فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِأَنْ كَانَ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ مُطْلَقًا، أَوْ بِهَا فِي غَيْرِ حَمْلِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ أَمَةً مَضْمُونَةٌ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا، فَإِنْ كَانَ حَمْلُ أَمَةٍ بِجِنَايَةٍ فَبَدَلُهُ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَتِهِ نَعَمْ. جَنِينُ الْمُذَكَّاةِ الْمُوصَى بِحَمْلِهَا يَمْلِكُهُ الْمُوصَى لَهُ.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْوَضْعِ) أَيْ وَبَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي. قَوْلُهُ: (يُعْلَمُ) أَيْ يُعْطَى حُكْمَ الْمَعْلُومِ مِنْ حَيْثُ مُقَابَلَتُهُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ. وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْحَمْلُ مِثَالٌ وَالْمُرَادُ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ بِالْمَجْهُولِ كَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ. قَوْلُهُ: (بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ) وَيَسْتَحِقُّهُمَا عَلَى الدَّوَامِ مَا لَمْ تُعَيَّنْ مُدَّةٌ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الشَّجَرَةَ وَالدَّابَّةَ الَّتِي تَحْمِلُ مُعَيَّنَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مَمْلُوكَيْنِ لَهُ حَالَةَ الْوَصِيَّةِ إذَا مَلَكَهُمَا قَبْلَ مَوْتِهِ، كَقَوْلِهِ: أَوْصَيْت بِعَبْدِ زَيْدٍ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: إنْ مَلَكْته أَوْ مُكَاتَبٍ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ. قَوْلُهُ: (مُعَلَّمٌ) أَيْ قَابِلٌ لِلتَّعْلِيمِ، وَلَوْ لِمَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ اقْتِنَاؤُهُ لِإِمْكَانِ نَقْلِ الْيَدِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (مُحْتَرَمَةٌ) وَهِيَ مَا عُصِرَتْ لَا بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ، وَإِنْ أَيِسَ مِنْ عَوْدِهَا خَلًّا وَخَرَجَ غَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ فَلَا تَصِحُّ بِهَا كَنَجَسٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ. قَوْلُهُ: (مَالٌ) أَيْ مُتَمَوَّلٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَأَوْصَى بِثُلُثِهَا أَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِوَاحِدٍ وَبِالْكِلَابِ لِآخَرَ اُعْتُبِرَ ثُلُثُ الْكِلَابِ فِيهِمَا عَدَدًا، لَا قِيمَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ انْكَسَرَتْ كَأَرْبَعَةٍ فَلَهُ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَثُلُثُ الرَّابِعِ شَائِعًا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (وَالثَّالِثُ تُقَوَّمُ إلَخْ) قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ كَانَ لَهُ كِلَابٌ، وَنَحْوُ زِبْلٍ فَأَوْصَى بِثُلُثِهِمَا فَإِنَّهُمَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُمَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُمَا قِيمَةً، وَقَالَ شَيْخُنَا تُفْرَضُ بِوَصْفِ حَيَوَانَاتٍ مِثْلِهَا لَهَا قِيمَةٌ كَمَا فِي فَرْضِ الْحُرِّ رَقِيقًا، وَسَكَتَ عَنْ الزِّبْلِ، فَانْظُرْ بِمَاذَا يَفْرِضُهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ هُنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْعٌ: وَلَّدَهُ الْفِكْرُ لَوْ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَقَفْت دَارِي عَلَى زَيْدٍ مُدَّةَ حَيَاتِي وَبَعْدَ مَوْتِي عَلَى وَلَدِي فُلَانٍ، وَالثُّلُثُ يَحْتَمِلُهَا هَلْ لِبَقِيَّةِ وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ اعْتِرَاضٌ فِيمَا خَصَّ بِهِ وَلَدَهُ يُتَأَمَّلُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ) مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْدَالُ مَالِ الْغَيْرِ بِمِثْلِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي لَا تَفْتَقِرُ) أَيْ وَإِلَّا لَمَا صَحَّ بَيْعُ الْمَرِيضِ التَّرِكَةَ بِثَمَنِ مِثْلِهَا قَهْرًا
. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَتَصِحُّ بِالْحَمْلِ) أَيْ مَعَ الْأُمِّ أَوْ مُنْفَرِدًا عَنْهَا، وَكَأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا هُنَا التَّفْرِيقَ لَكِنْ طَرَدَ ابْنُ كَجٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْ التَّفْرِيقِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (يُعْلَمُ وُجُودُهُ إلَخْ) وَيُرْجَعُ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي حَمْلِ الْبَهَائِمِ. قَوْلُهُ: (كَالْأَعْيَانِ) أَيْ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا يُقَابَلُ بِالْأَعْوَاضِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَكَذَا بِثَمَرَةٍ) وَتَصِحُّ بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، وَمَهْمَا حَدَثَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَلِلْوَارِثِ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ بِيَمِينِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (سَيَحْدُثَانِ) أَيْ كَمَا يَصِحُّ مِلْكُ الْمَعْدُومِ بِعَقْدِ السَّلَمِ، وَالضَّابِطُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا بِ قَبْلَ النَّقْلِ، ثُمَّ هَذَا التَّعْبِيرُ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ، وَالْمُلَائِمُ لِمَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ أَنْ يَقُولَ سَيَحْدُثُ مِنْ غَيْرِ تَثْنِيَةٍ. قَوْلُهُ: (لِثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ فِيهَا) وَلِأَنَّهَا تُورَثُ وَتُوهَبُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي ذَلِكَ بِالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا عَلَى مَعْنَى نَقْلِ الْيَدِ قَوْلُهُ: (بِتَعَيُّنِ الْوَارِثِ) قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ يُعَانِي الزَّرْعَ مَثَلًا دُونَ الصَّيْدِ لَا يَتَعَيَّنُ كَلْبُ الزَّرْعِ، لَكِنْ جَزَمَ الدَّارِمِيُّ بِخِلَافِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْأَقْوَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمُوصَى لَهُ وَمَالَ السُّبْكِيُّ إلَى الْأَوَّلِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَغَتْ) أَيْ لِتَعَذُّرِ تَحْصِيلِهِ.