مَالِكِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَيُشْبِهُ أَنْ يَأْتِيَ فِي الْوَصِيَّةِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مَحْضٌ فَيَنْبَغِي أَنْ تُضَافَ إلَى مَنْ يَمْلِكُ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ الْفَرْقُ أَصَحُّ. (وَإِنْ قَالَ لِيُصْرَفَ فِي عَلْفِهَا فَالْمَنْقُولُ صِحَّتُهَا) ؛ لِأَنَّ عَلْفَهَا عَلَى مَالِكِهَا، فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْوَصِيَّةِ فَيُشْتَرَطُ قَبُولُهُ، وَيَتَعَيَّنُ الصَّرْفُ إلَى جِهَةِ الدَّابَّةِ رِعَايَةً لِغَرَضِ الْمُوصِي، وَقَوْلُهُ فَالْمَنْقُولُ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، أَنَّهُ يُحْتَمَلُ مَجِيءُ وَجْهٍ بِالْبُطْلَانِ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى عَلْفِهَا
(وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ) وَمَصَالِحِهِ (وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ) الْوَصِيَّةَ لِلْمَسْجِدِ تَصِحُّ (فِي الْأَصَحِّ وَتُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَصَالِحِهِ) وَالثَّانِي تَبْطُلُ كَالْوَصِيَّةِ لِلدَّابَّةِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت تَمْلِيكَ الْمَسْجِدِ فَقِيلَ: تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ صِحَّتَهَا بِأَنَّ لِلْمَسْجِدِ مِلْكًا وَعَلَيْهِ وَقْفًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ هَذَا هُوَ الْأَفْقَهُ وَالْأَرْجَحُ
(وَ) تَصِحُّ (لِذِمِّيٍّ) كَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ (وَكَذَا حَرْبِيٌّ وَمُرْتَدٌّ فِي الْأَصَحِّ) كَالذِّمِّيِّ وَالثَّانِي لَا إذْ يُقْتَلَانِ. (وَقَاتِلٍ فِي الْأَظْهَرِ) كَالْهِبَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ بِحَقٍّ أَمْ بِغَيْرِهِ، وَالثَّانِي كَالْإِرْثِ، وَصُورَتُهَا أَنْ يُوصِيَ لِرَجُلٍ فَيَقْتُلَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَتْلُ سَيِّدِ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصِيَ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْعَبْدِ وَصِيَّةٌ لِسَيِّدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ
(وَ) تَصِحُّ (لِوَارِثٍ فِي الْأَظْهَرِ إنْ أَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ) بِخِلَافِ مَا إذَا رَدُّوا، وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ لَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ الْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ لِلْوَصِيَّةِ. (وَلَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِمْ وَإِجَازَتِهِمْ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي)
ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (إلَى مَنْ يَمْلِكُ) أَيْ جِنْسَهُ وَبِهَذَا الْفَرْقِ يُعْلَمُ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْعَبْدِ دُونَ الدَّابَّةِ.
تَنْبِيهٌ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلصَّوَابِ الْمُسَبَّلَةِ كَصِحَّةِ الْوَاقِفِ عَلَيْهَا قَصْدًا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (الْفَرْقُ أَصَحُّ) أَيْ فَلَا يَأْتِي هُنَا الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ فِي الْوَقْفِ بَلْ الْوَصِيَّةُ لَيْسَتْ وَصِيَّةً لِمَالِكِهَا قَطْعًا فَالْفَرْقُ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ؛ إذْ الْحُكْمُ بِالْبُطْلَانِ فِيهِمَا مُتَّجَهٌ وَكَالدَّابَّةِ دَارٌ يَصْرِفُ فِي عِمَارَتِهَا، فَلَا يَصِحُّ فِي الْإِطْلَاقِ قَطْعًا فَلَا يَقْصِدُ عِمَارَتَهَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَالَ) أَيْ الْمُوصِي أَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَوَارِثُهُ مِثْلُهُ فَيُعْمَلُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ خَالَفَهُ الْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ. قَوْلُهُ: (عَلَفَهَا) بِفَتْحِ اللَّامِ مَا تَأْكُلُهُ وَبِسُكُونِهَا تَقْدِيمُ الْعَلَفِ لَهَا الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْعَالِفِ فَيُصْرَفُ لِأُجْرَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَتَعَيَّنُ إلَخْ) مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الدَّابَّةِ لِنَحْوِ تَجَمُّلٍ أَوْ مُبَاسَطَةٍ، وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمَالِكِ، وَإِنْ انْتَقَلَتْ الدَّابَّةُ عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ فِي عَلْفِهَا مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ: (رِعَايَةً إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهَا لَوْ انْتَقَلَتْ إلَى غَيْرِهِ اسْتَمَرَّ الصَّرْفُ فِي عَلْفِهَا، وَلَا يَجِبُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَفَهَا لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ، وَلَا الثَّانِي بَلْ يَتَوَلَّاهُ الْوَصِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْقَاضِي وَلَوْ بِنَائِبِهِ، وَإِذَا مَاتَتْ الدَّابَّةُ كَانَ الْمُوصَى بِهِ لِمَالِكِهَا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي
قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ) أَيْ مَوْجُودٍ كَمَا مَرَّ، وَمِثْلُهُ الرِّبَاطُ وَالْمَدْرَسَةُ وَضَرَائِحُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ إنْشَاءً وَتَرْمِيمًا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا فِي أَرْضٍ مُسَبَّلَةٍ. قَوْلُهُ: (وَمَصَالِحِهِ) عَطْفُ عَامٍّ. قَوْلُهُ: (وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ صِحَّتَهَا) وَإِنْ قَصَدَ تَمْلِيكَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِهِ بِأَنَّ لِلْمَسْجِدِ مِلْكًا إلَخْ. الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّابَّةِ وَخَرَجَ بِنَحْوِ الْمَسْجِدِ الْوَصِيَّةُ لِدَارٍ لِعِمَارَتِهَا فَبَاطِلَةٌ كَمَا مَرَّ
. قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ لِذِمِّيٍّ) وَلَوْ فِي الْوَاقِعِ كَانَ ذَكَرَ اسْمَهُ فَقَطْ أَوْ وَصْفَهُ بِالذِّمِّيَّةِ مَعَ ذِكْرِ اسْمِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلذِّمِّيِّينَ عَلَى ذِكْرٍ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا حَرْبِيٌّ) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ. نَعَمْ إنْ قَالَ لِلْحَرْبِيِّينَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَسْمَاءَهُمْ أَوْ لِمَنْ يُحَارِبُ لَمْ تَصِحَّ. قَوْلُهُ: (وَمُرْتَدٍّ) أَيْ مَعَ ذِكْرِ اسْمِهِ فَإِنْ قَالَ لِمَنْ يَرْتَدُّ أَوْ لِلْمُرْتَدِّينَ لَمْ تَصِحَّ وَلَوْ مَاتَ الْمُرْتَدُّ عَلَى رِدَّتِهِ بَطَلَتْ. تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْكَافِرِ لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ. مِنْ شَرْطِ عَدَمِ الْمَعْصِيَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا الشَّخْصُ، وَإِنْ زَالَ الْوَصْفُ لَمْ يَظْهَرْ قَصْدُ الْوَصْفِ فِيهِ الَّذِي هُوَ الْمَعْصِيَةُ. مَعَ أَنَّ وَصْفَ نَحْوِ الذِّمِّيَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْكَافِرِ أَصَالَةً، وَإِنَّمَا غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ فَتَأَمَّلْ، قَوْلُهُ: (وَصُورَتُهَا إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِمَنْ يَقْتُلُنِي لَمْ تَصِحَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: مَنْ يَقْتُلُ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُهُ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْصَرِفُ إلَيْهِ عُرْفًا، فَإِنْ قَالَ بِحَقٍّ صَحَّتْ وَبِذَلِكَ عُلِمَ صِحَّةُ وَصِيَّةِ الْحَرْبِيِّ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِمَنْ يَقْتُلُنِي؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ جَائِزٌ فَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ هُنَا الْحَقُّ الْجَائِزُ.
قَوْلُهُ: (إنْ أَجَازَ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ وَتُنَفَّذَانِ إنْ أَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِتَصِحُّ لِمَا لَا يَخْفَى، وَالْمُرَادُ بِالْوَرَثَةِ الْمُطْلَقُونَ التَّصَرُّفُ فَلَا تَصِحُّ إجَازَةُ مَحْجُورٍ، وَلَا وَلِيِّهِ بَلْ يُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى تَأَهُّلِهِ.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَتْ الْوَصِيَّةُ الْمَوَارِثَ مَا لَوْ كَانَتْ بِعَيْنٍ، وَلَوْ مِثْلِيَّةً، وَلَوْ قَدْرَ حِصَّتِهِ لَكِنْ مَعَ تَمْيِيزِ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَكَالْوَصِيَّةِ فِي اعْتِبَارِ الْإِجَازَةِ إبْرَاؤُهُ وَالْهِبَةُ لَهُ وَالْوَقْفُ عَلَيْهِ. نَعَمْ لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ مَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إجَازَةٍ، وَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ قَدْرَ ثُلُثِ مَالِهِ فَوَقَفَ ثُلُثَيْهَا عَلَى ابْنِهِ وَثُلُثَهُ عَلَى ابْنَتِهِ وَلَا وَارِثَ غَيْرُهُمَا، وَلَوْ أَجَازَ الْوَارِثُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا أَجَازَ لِظَنِّهِ كَثْرَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (كَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ) ، لَوْ قَالَ لِأَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ لِأَهْلِ الرِّدَّةِ بَطَلَتْ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: (كَالْهِبَةِ) بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا تَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ. قَوْلُهُ: (كَالْإِرْثِ) أَيْ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مَالٌ يُسْتَحَقُّ بِالْمَوْتِ، بَلْ أَوْلَى مِنْ الْإِرْثِ لِكَوْنِهِ قَهْرًا يَأْثَمُ الْخِلَافُ ثَابِتٌ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَمْ خَطَأً بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ كَالْمِيرَاثِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلِوَارِثٍ إلَخْ) . الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ
«لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا إنْ شَاءَ الْوَرَثَةُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ احْتَجَّ بِمَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ.
فَائِدَةٌ: لَا تَجُوزُ لِوَلِيِّ الْمَحْجُورِ، فَلَوْ أَجَازَ لَمْ يَضْمَنْ مَا لَمْ يَقْبِضْ.
فَرْعٌ: لَوْ وَقَفَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ بِقَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ صَحَّ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى الْإِجَازَةِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ إنْ تَبَرَّعَ لِوَلَدِي بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ، وَإِذَا قِيلَ لَزِمَهُ دَفْعُ الْخَمْسِمِائَةِ لِلْوَلَدِ، نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ حِيلَةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَصَوَّرَهَا الدَّمِيرِيِّ بِقَوْلِهِ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ بِشَرْطِ أَنْ يَتَبَرَّعَ لِوَلَدِي بِأَلْفٍ.