وقد بدأت الطامة الكبرى بإقبال المستشرقين على "الأغاني" إذ راحوا يروّجون له ويشيدون بقيمته ويبثون حبَّه في قلوب تلاميذهم من أبناء المسلمين ومن العرب الحاقدين على الإسلام. وحسبك أن تَعلم أن بين هؤلاء مثل/ عميد الأدب العربي/ طه حسين الذي استطاع أن يحشد حوله ذلك الكتاب الكثيرين من المعجبين والمصفقين، والناشرين لأفكاره الشعوبية، في أوساط المثقفين والدارسين على أيديهم من الغافلين في كل قطر عربي.. ولعل دمشق أوفرها حظاً في سلوك هذا المنزلق على يد الأستاذ شفيق جبري، الذي كان لكتابه الذي يدعم به أسانيد الأصفهاني، اليد الطولي بإشاعة سمومه بين هُواة الأدب ممن لا يملكون القدرة على البحث الجاد، فإذا هم فرائس سهلة لتضليل الأصفهاني لا يردون له خبرا، بل يصدقون كل ما يعزوه إلى خيار الناس من سلف هذه الأمة، وبذلك أصبحوا مهيئين للاستخفاف بتراثها العريق، وعلى أتم الاستعداد لخوض مثل تلك التجارب التي يزينها لهم ذلك الكتاب المسموم.
ولقد مد الله في عمري حتى رأيت بعض العاملين لا الحركة الثقافية بدمشق يعلنون ثقتهم بأسانيد الأصفهاني، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء النظر في تراجم رجالها وموضعهم من القبول! والرفض لدى علماء الجرح والتعديل..
وطبيعي أن يصير الأمر بهؤلاء إلى الاستخفاف بالقِيَم التي حفظت للمجتمعات الإسلامية تماسكها أمام زحف الدعوات المشبوهة على امتداد القرون، وطبيعي أن يكون لذلك أثره في إعداد الجو المساعد لانتشار الفكر العلماني، الذي كان من ثمراته السامة تلك النباتات المتنامية! االوطن العربي من القومية ثم الماركسية والناصرية والبعثية، وما إليها من تيارات لا غرض لها في النهاية سوى تمزيق الوشائج الرحمانية التي جمعت العرب وغير العرب على أخوّة الإسلام، لِتُقَدِّمَ الأمة كلها لقمة سائغة إلى أعدائها المتربصين بها الدوائر.