إنها العقدة المنطلقة من الحقد اللاهب على كل ما هو عربي أو إسلامي فجَّرها في عقلَيْهِ الظاهرِ والباطن انهيارُ السلطان الأموي، الذي حرمه فرص التمتع بعزة الملك، الذي كان من الطبيعَي أن يكون أحد ورثائه الأقربين لو قُيض لأبيه- آخر خلفاء بني أمية – الانتصار على خصومه.
فعن طريق هذا المفتاح ستعرف الكثير من البواعث التي سوف تسوق صاحب الأغاني في ذلك الاتجاه التخريبي الذي لم يسلم من شره عربي أو مسلم أيا كانت هويته.. ومن هذا المنطلق كان تركيزه- في أغانيه- على الكثير من الرموز التي اشتهرت بفضائلها خلال القرون، فراح يلطخ صورها بالكثير من المشوهات..، وكانت مطيته في هذا الطريق هي الأدب والشعر والغناء دون تفريق بين الصالح والفاسد والمثوق والمجروح من الأخبار.. وقد اختار لسمومه المستويات العليا من الطبقات التي هي قدوة الجماهير.. ومعيار توجهاتها الأساسية00 لتكون العدوى أسرع حركة وأشد فتكا..
والمفكر الرصين حين ينظر إلى عمل الأصفهاني من خلال هذا المنظار لن يفوته العلم بأن وراء هاتيك الأصباغ التي يسبغها على مجالس الرشيد رغبة مصممة على اختراق جدار المناعة التي تشد المجتمعات الإسلامية إلى تراثها الروحي، ليسهل انفصالها عن منابع القيم التي ترسخ ارتباطها بالماضي العريق لكي تصبح مهيأة لقبول كل التغييرات، إثْرَ فقدانها مشاعر الاعتزاز بأصولها التي أمست في تصورها الجديد موضع الارتياب، وبعد أن انحسرت عنها تلك النفحات القدسية التي كانت تتلقاها من خطاب ربها: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت/33)
إنها عملية غسل للأدمغة والقلوب تستهدف تدمير المقومات الإِسلامية التي بها كان المسلمون خير أمة أخرجت للناس..
ومن يستطيع أن يدفع عن هذه الأمة ذلك الوباء الوبيل وهي تطالع سِير أبرز رموزها الوارثين لذلك التراث المجيد غارقين إلى آذانهم في تلك الغمرات الآسنة!!.