وهذا ما حدث إذ أتاح له – عن طريق شهرته الأدبية- أن يعقد الصلات الوثيقة مع وزراء وكبراء من ذلك العهد، وأن يتولى منصب الكتابة – وهي أشبه بالوزارة – في ظل البويهي ركن الدولة، وكذلك تسنمه منصة القضاء.. وقد نجح في هذا الجانب كل النجاح إذ كان موضع تقدير الكثير من رجال القمة يؤاكلهم ويشاربهم ويذاكرهم ويقارضهم الشعر ويجرع معهم الخمرة كشأنه مع الوزير المهلبي، الذي يبلغ به التعالي إلى مثل عمل الوزير ابن الزيات، حيث كان يقف على جانبي كل منهما عند طعامه غلام يقدم إليه ملعقة وآخر يتناولها منه في كل لقمة.. ومع ذلك لا يمنعه تعاليه من مجالسة الأصفهاني على مائدته الخاصة، وذات مرة يغلب السعال على أبي الفرج فيقذف بقيئه وسط تلك المائدة فينهض الوزير ليرفعها بنفسه ثم يدعو بغيرها ويواصلان الأكل معا دون عتاب ولاعقاب!!.
وطبيعي أن أحد الأسباب التي ساعدت الأصفهاني على احتلال هذه المكانة إنما يعي إلى إخفائه أمويته تحت ستار التشيع الذي كان بالنسبة إلى سياسة ذلك العهد العباسي أخف الشرين..
وقد سبق أن حدثنا القارئ عن المنهج الشيطاني الذي سلكه الأصفهاني في الهجر المغلف على كل الجماعات العربية من علوية وعباسية وشيعية دون استثناء ولا مهادنة، حتى تصير به المناسبة إلى ذكر الأعاجم وبخاصة البويهيين والبرامكة، فإذا هو خافض الجناح لا يشير إليهم إلا بغاية الاحترام والتقديس!.