على الهداية التّامة (?) .
ونحو: (أذقته لباس الموت) (?) أي ألبسته إياه.
تنبيهات عشرة
التنبيه الأول - كل تبعية قرينتها مكنية
التنبيه الثاني - إذا أجريت الاستعارة في واحدة من الاستعارة التصريحية، أو من الاستعارة المكنية، امتنع اجراؤها في الأخرى.
التنبيه الثالث - تقسيم الاستعارة إلى (أصلية وتبعية) عام في كل من الاستعارة التصريحية والمكنية.
التنبيه الرابع - تبين أن الاستعارة هي اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، لعلاقة المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعي (?)
أو هي: (مجاز لغوي) علاقته المشابهة، كقول زهير:
لدى أسدٍ شاكي السلاح مُقذَف له لبدٌ أظفارُه لم تُقلَّم
فقد استعار الأسد: للرجل الشجاع، لتشابههما في الجراءة
والمستعار له هنا: لفظ رجل (محقق حساً) ، وكقوله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) ، فقد استعار الصراط المستقيم للدين الحق، لتشابههما في أن كلا يوصل إلى المطلوب، والدين الحق (محقق عقلا) لأنه أئر معنوي، له ثبوت ٌ في ذاته وكقوله تعالى (كتابٌ أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) أي: من الضلال إلى الهدى، فقد استعير لفظ الظلمات للضلال، لتشابههما في عدم اهتداء صاحبيهما، ثم استعير لفظ الظلمات للضلال، وكذلك استعير لفظ النور للإيمان، لتشابههما في الهداية، والمستعار له وهو الضلال والإيمان، كل منهما (محقق عقلا) وتسمى هذه الاستعارات (تصريحية) وتسمى أيضاً (تحقيقية) - وأما قول أبي ذؤيب الهذلى
وإذا المنَّية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمةٍ لا تنفع
فشبه المنية، بالسبع، في اغتيال النفوس قهراً، من غير تفرقة بين نفّاع وضرَّار، ولم يذكر لفظ المشبه به بل ذكر بعض لوازمه وهو أظفارها التي لا يكمل الاغتيال في السبع إلا بها، تنبيهاً على المشبه به المحذوف فهو استعارة (مكنية) - وكقوله:
ولئن نطقت بشكر برّك مفصحاً فلسان حالي بالشكاية أنطقُ
فشبه الحال، بانسان ناطق في الدلالة على المقصود، ولم يصرح بلفظ المشبه به، بل ذكر لازمه، وهو (اللسان) الذي لا تقوم الدلالة الكلامية إلا به، تنبيهاً به عليه - فهو أيضاً استعارة (مكنية) ، وقد أثبت للمشبه لازم من لوازم المشبه به، لا يكون إلا به كماله أو قوامه في وجه الشبه، (كالأظفار) التي لا يكمل الافتراس إلا بها كما في المثال الأول، (واللسان) الذي لا تقوم الدلالة الكلامية في الانسان إلا به، كما في المثال الثاني، وليس (للمنية) شيء كالأظفار نقل إليه هذا اللفظ، ولا (للحال) شيء (كاللسان) نقل إليه لفظ اللسان، وما كان هذا حاله يعتبر طبعاً (تخييلا أو استعارة تخييلية) .
التنبيه الخامس - تقدم أن الاستعارة التصريحية، أو المصّرحة: هي ما صُرّح فيها بلفظ المشبه به.
وأنّ المكنية، هي ما حذف فيها لفظ المشبه به، استغناء ببعض لوازمه، التي بها كمالهُ، أو قوامه في وجه الشبه (?) وأنّ إثبات ذلك الّلازم تخييل - أو استعارة تخييلية.
غير أنهم اختلفوا في تعريف كل من المكنية والتّخييلية، فمذهب السّلف: أن المكنية: اسم المشبه به، المستعار في النفس للمشبه، وأنّ إثبات لازم المشبه به للمشبه (استعارة تخييلية) (?) فكلٌّ من (الأظفار) في قوله: «وإذا المنية أنشبت أظفارها» ، (واللّسان) في قوله:
«فلسان حالي بالشكاية أنطق» حقيقةٌ، لأنه مستعمل فيما وضع له.
ومذهب (الخطيب القزويني) أنّ المكنية هي التشبيه المضمر في النفس، المرموز إليه باثبات لازم المشبه به للمشبه، وهذا الاثبات هو الاستعارة (التخييلية) (?)
ومذهب (السكاكي) أن المكنية لفظ المشبه، مراداً به المشبه به (?) ، فالمراد (بالمنية) في قوله: «وإذا المنية ُ انشبت أظفارها» هو السبع بادعاء السبعية لها، وإنكار أن تكون شيئاً غير السبع، بقرينة إضافة الأظفار التي هي من خواص السبع إليها، و (التخييلية) عنده ما لا تحقق لمعناه (لا حسّا ولا عقلا) بل هو صورة وهمية محضه: كالأظفار في ذلك المثال فانه لما شبه المنية، بالسبع في الاغتيال، أخذ الوهم يصورها بصورته، ويخترع لها لوازمه، فاخترع لها صورة كصورة الأظفار، ثم أطلق عليها لفظ الأظفار فيكون لفظ الأظفار استعارة (تصريحية تخييلية) أمّا أنها تصريحية: فلأنه صُرّح فيها بلفظ المشبه به، وهو اللازم الذي أطلق على صورة وهمية شبيهة بصورة الأظفار المحققة، وأما أنها (تخييلية) فلأن المستعار له غير محقق (لا حساً ولا عقلا) والقرينة على نقل الأظفار من معناها الحقيقي إلى المعنى المتخيل، إضافتها إلى المنية (?)
هذا - ومذهب السكاكي في المكنية مردود عليه، بأن لفظ المشبه فيها مستعمل فيما وضع له تحقيقاً، للقطع بأن المراد بالمنية (الموت) لا غير: فليس مستعاراً.
التنبيه السادس - الاستعارة صفة للفظ على المشهور، والحق أن المعنى يعارُ أولا، ثم يكون اللفظ دليلا على الاستعارة: وذلك.
(1) لأنه إذا لم يكن نقل الاسم تابعاً لنقل المعنى تقديراً لم يكن ذلك استعارة، مثل (الأعلام المنقولة) فأنت إذا سميت إنساناً بأسد، أو نمر أو كلب، لا يقال إن هذه الأسماء مستعارة، لأن نقلها لم يتبع نقل معانيها تقديراً.
(2) ولان البُلغاء: جزمُوا بأن (الاستعارة، أبلغ من الحقيقة) فان لم يكن نقل الاسم تابعاً لنقل المعنى، لم يكن فيه مبالغة، إذ لا مبالغة في إطلاقب الاسم المجرد عن معناه.
التنبيه السابع - ظهر أن الاستعارة باعتبار اللفظ نوعان (أصلية وتبعية) فالأصلية: ما كان فيها المستعار اسم جنس غير مشتق، سواء أكان اسم ذات، كأسد للرجل الشجاع، أم اسم معنى، كقتل للإذلال، وسا أكان اسم جنس (حقيقة) كأسد وقتل، أم (تأويلا) كما في الأعلام المشهورة بنوع من الوصف، كحاتم في قولك: رأيت اليوم حاتماً، تريد رجلا كامل الجود، فاعتبر لفظ (حاتم) في قوة الموضوع لمفهوم كلي، حتى كاد يغلب استعماله في كل من له وصف حاتم، فكما أن أسداً يتناول الحيوان المفترس والرجل الشجاع ادّعاء، كذلك حاتم يتناول الطائي وغيره ادعاء، ويكون استعماله في (الطائي) حقيقة، وفي غيره مجازاً، لأن الاستعارة مبنية على ادعاء أن المشبه فرد من أفراد المشبه به، فلابدّ أن يكون المشبه به كلياً ذا أفرادٍ، والمراد (باسم الجنس) غير المشتق (ما صلح لأن يصدق على كثيرين، من غير اعتبار وصف من الأوصاف في الدلالة) .
وليس العلم الشخصي واسم الاشارة والضمير والموصول من الكليات، فلا يصح أن تجري فيها الاستعارة الأصلية، أمّا المشتق فالصفة جزء من مدلوله وضعاً، لأنه موضوع لذات متصفة بصفة، (فكريم) موضوع لذات متصفة بالكرم، (وقتيل) موضوع لذات متصفة بوقوع القتل عليها.
وقد اعتبرت (الأعلام) التي تتضمن معنى الوصف اسم جنس تأويلاً ولم تعتبر من قبيل المشتق، لأن الوصف ليس جزءا من معناها وضعاً، بل هو لازم لهن غير داخل في مفهومه، فحاتم: لم يوضع للدلالة على الجود ولا على ذات متصفة به، ولكن الجود عرض له ولزمه فيما بعد.
التنبيه الثامن - التبعية (?)
ما كان فيها المستعار مشتقا، ويدخل في هذا: الفعل، والاسم المشتقّ، والحرف.
فاستعارة الفعل (?) نحو: قوله تعالى «إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية» ونحو: قوله تعالى (وقطعناهم في الأرض أمما)
ونحو: قوله تعالى «فبشِّرهم بعذاب أليم»
(1) يقال: شبه زيادة الماء زيادة مفسدة، بالطغيان - بجامع مجاوزة الحد في كلّ، وادعى أن المشبه فرد من أفراد المشبه به ثم استعير لفظ المشبه به للمشبه: على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية، ثم اشتق من الطغيان بمعنى الزيادة، طغى بمعنى زاد، وعلا، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
هذا: وقد يستعمل لفظ الماضي موضع المضارع، بناء على تشبيه المستقبل المحقق، بالماضي الواقع، بجامع تحقق الوقوع في كل، ونحو: قوله تعالى (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا) وقد يعبر بالمضارع عن الماضي، بناء على تشبيه غير الحاضر بالحاضر، في استحضار صورته الماضية، لنوع غرابة فيها، نحو: قوله تعالى «إني أرى في المنام أني أذبحك» .
التنبيه التاسع - استعارة المشتق: إمّا صفة (?) ، وإما اسم زمان، أو مكان أو آلة فالصفة نحو: حكم على قاتلك بالسِّجن، من القتل بمعنى الضّرب الشديد، مجازاً، ونحو: أصادق الأصم عن الخنى، واجاور الأعمى عن العورات، ونحو: فلسان حالي بالشكاية أنطق: أي أدلّ، ونحو: قوله تعالى (من بعثنا من مرقدنا) ونحو: جئت بمقتالِك (?)
أي بالآلة التي أضربك بها ضربا شديداً.
التنبيه العاشر - مدار قرينة التبعية في الفعل والمشتق على ما يأتي:
(1) على الفاعل - نحو: إنا لما طغى الماء، ونطقت الحال بكذا (?)
(2) أو على نائبه - نحو: ضربت عليهم الذلة والمسكنة (?)
(3) أو على المفعول به - نحو:
جُمِعَ الحقّ لنا في إمامٍ قتل البخل وأحيا السّماحاً (?)
(4) أو على المفعول به الثاني، نحو:
صبحنا الخزرجية مرهفات أباد ذوى أرومتها ذووها (?)
(5) أو على الفاعل والمفعولين، كقول الشاعر:
تقرى الرّياح رياض الحزن مزهرة إذا سرى النوم في الأجفان إيقاظا (?)
(6) أو على المفعولين، كقوله تعالى (وقطعناهم في الأرض أمما)
(7) أو على المجرور، نحو: «فبشرهم بعذاب أليم (?) » ونحو: «فاصدع بما تؤمر» ونحو: «بل نقذف بالحق» هذا - وقد تكون قرينة التبعية غير ذلك، نحو: «قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا (?) » إذ القرينة في هذه الآية، كونه من كلام الموتى، مع قوله: «هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون» .
التنبيه العاشر - استعارة الحرف (?) نحو: (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) فقد شبه مطلق ترتب علة واقعية على فعل، (?) بمطلق ترتب علة غائية على فعل (?) ، بجامع مطلق الترتب في كل (?) ، فسرى التشببيه من الكليين إلى الجزئيات، ثم استعمل في جزئي المشبه (?) (اللام) الموضوعة لجزئي المشبه به (?)
على سبيل الاستعارة التبعية، ونحو: قوله تعالى (ولأصلبنكم في جذوع النخل (?)) ، ونحو: قوله تعالى (أولئك على هدى من ربهم) (?) ، ونحو: (زيد في نعمة (?)) ..
ومن هذه الأمثلة السابقة: تتبين أنه لا يشترط أن يكون للمشبه حرف موضوع له يدل عليه.
واختار (السّكاكيّ) تقليلا لأقسام الاستعارة: أن يستغنى عن التبعية في الفعل، والمشتق، والحرف، بأن يجعل قرينة التبعية، استعارة مكنية، وأن يجعل التبعية، قرينة للمكنية، ففي قوله تعالى: (إنّا لمّا طغى الماء حملناكم في الجارية) يجعل القوم الطغيان مستعاراً للكثرة المفسدة.
ويقول (السكاكي) في لفظ (الماء) استعارة مكنية ونسبة الطغيان إليه قرينة.