خُودٌ كان بنانها في خضرة النقش المزرد (?)
سمكٌ من البلور في شبك تكون من زبرجد
كأن قلوب الطير ويابساً (?) لدى وكرها العنَّابُ والحشَف البالِي
من يصنع الخيرَ مع من ليس يعرفه كواقد الشمع في بيتٍ لعميان (?)
ملخص القول
في تقسيم طرفي التشبيه
أولاً - ينقسم التشبيه باعتبار طرفيه إلى حسيين وعقليين ومختلفين - فالحسيان يشتركان
(1) في صفة مبصرة كتشبيه المرآة بالنهار في الاشراق والشعر بالليل في الظلمة والسود، كما في قول الشاعر:
فرعاء تسحب من قيام شعرها وتغيب فيه وهو ليل اسحم
فكأنها فيه نهار مشرق وكأنه ليل عليها مظلم (?)
(2) أو في صفة مسموعة - نحو: غرد تغريد الطيور ونحو: سجع سجع القمري ونحو: أن أنين الثكلى، ونحو: أسمع دوياً كدوى النحل، وكتشبيه انقاض الرحل بصوت الفراريج في قول الشاعر:
كأن أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس إنقاض الفراريج (?)
وكتشبيه الأصوات الحنسة في قراءة القرآن الكريم بالمزامير.
(3) أو في صفة مذوقة، كتشبيه الفواكه الحلوة بالعسل، وكتشبيه الريق الخمر في قول الشاعر:
كأن المدام وصوب الغمام وريح الخزامى وذوب العسل
يعل به برد أنيابها إذا النجم وسط السماء اعتدل (?)
(4) أو في صفة ملموسة، كتشبيه الجسم بالحرير: في قول ذي الرمة:
لها بشر مثل الحرير ومنطق رخيم الحواشي لا هراء ولا نذر (?)
وعينان قال الله كونا فكانتا فعولان بالألباب ما تفعل الخمر
(5) أو في صفة مشمومة، كتشبيه الريحان بالمسك - والنكهة بالعنبر والعقليان - هما الذان لم يدركا «هما ولا مادتهما» باحدى الحواس، وذلك كتشبيه السفر بالعذاب، والضلال عن الحق بالعمى، والاهتداء إلى الخير بالابصار
والمختلفان - إما أن يكون المشبه عقليا والمشبه به حسيا - كتشبيه الغضب بالنار من التلظى والاشتعال - وكتشبيه الرأي بالليل في قول الشاعر:
الرأي كالليل مسود جوانبه والليل لا ينجلى إلا باصباح
وإما أن يكون المشبه حسيا والمشبه به عقليا - كتشبيه الكلام بالخلق الحسن وكتشبيه العطر بخلق الكريم في قول الصاحب بن عباد.
أهديت عطراً مثل طيب ثنائه فكأنما أهدى له أخلاقه (?)
ثانياً - ينقسم التشبيه باعتبار طرفيه إلى مفردين مطلقين، أو مقيدين، أو مختلفين - والى مركبين أو مختلفين.
فالمفردان المطلقان، كتشبيه السماء بالدهان في الحمرة، في قوله تعالى: (فاذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان) (?)
وكتشبيه الكشح بالجديل، والساق بالأنبوب، في قول امرىء القيس
وكشح لطيف كالجديل مخصر وساق كانبوب السقي المذلل (?)
والمقيدان، بوصف، أو اضافة، أو حال، أو ظرف - أو نحو ذلك، كقولهم فيمن لا يحصل من سعيه على فائدة: هو «كالراقم على الماء «فالمشبه هو الساعي على هذه الصفة، والمشبه هو الراقم بهذا القيد، ووجه الشبه، التسوية بين الفعل والترك في الفائدة - وكقوله:
والشمس من بين الأْرائك قد حكت سيفا صقيلا في يد رعشاء (?)
والمختلفان، والمشبه به هو المقيد: كما في قول ذي الرمة
قف العيس في أطلال مية فاسأل رسوما كأخلاق الرداء المسلسل (?)
أو المشبه وهو المقيد، كما في قول الشاعر:
كأن فجاج الأرض وهي عريضة على الخائف المطلوب كفة حابل (?)
والمركبان: كقول الشاعر:
البدر منتقب بغيم أبيض هو فيه بين تفجر وتبلج
كتنفس الحسناء في المرآة إذ كملت محاسنها ولم تتزوج
والمختلفان - والمشبه مفرد، كقوله تعالى (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف) - وكقول الشاعر:
أغر أبلج تأتم الهداة به كأنه علم في راسه نار
أو المشبه به مفرد، كقول أبي الطيب المتنبي:
تشرق أعراضهم وأوجههم كأنها في نفوسهم شيم
شبه إشراق الاعراض والوجوه باشراق الشيم (الاخلاق الطيبة) فاشراق الوجوه ببياضها، واشراق الاعراض بشرفها وطيبها.
ثالثاً - التشبيه ينقسم باعتبار طرفيه إلى:
(1) ملفوف، وهو ما أتى فيه بالمشبهات أولا على طريق العطف، أو غيره، ثم بالمشبهات بها كذلك - كقول الشاعر:
ليل وبدر وغصن شعر ووجه وقد
خمر ودر وورد ريق وثغر وخد
شبه الليل بالشعر، والبدر بالوجه، والغصن بالقد، في البيت الأول، والخمر بالريق، والدر بالثغر، والورد بالخد، في البيت الثاني، وقد ذكر المشبهات أولا - والمشبهات بها ثانيا كما ترى في نظم الشاعر:
(2) والى مفروق، وهو ما أوتي فيه بمشبه ومشبه به ثم بآخر وآخر كقول أبي نواس
تبكي فتذرى الدر من نرجس وتمسح الورد بعناب
شبه الدمع بالدر لصفائه، والعين بالنرجس، لما فيه من اجتماع السواد بالبياض والوجه بالورد..
رابعاً - ينقسم التشبيه أيضاً باعتبار طرفيه إلى
(1) تشبيه التسوية، وهو ما تعدد فيه المشبه - كقول الشاعر:
صدغ الحبيب وحالي كلاهما كالليالي
وثغره في صفاء وأدمعي كاللآلي (?)
شبه في الأول صدغ الحبيب وحاله هو، بالليالي في السواد، وفي الثاني شبه ثغر الحبيب ودموعه، باللآلي في القدر والاشراق.
(2) تشبيه الجمع، وهو ما تعدد فيه المشبه به كقول البحتري:
بات نديماً لي حتى الصباح أغيد مجدول مكان الوشاح
كأنما يبسم عن لؤلؤ منضد أو برد أو أفاح (?)
شبه ثغره بثلاثة أشياء باللؤلؤ، والبرد، والاقاح - وقد تقدم الكلام على هذه الأقسام.