فأقام بالمدينة ذا الحجة، والمحرم، وصفرا، وربيعا الأول، وربيعا الآخر، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة. فلما كان فى رجب من سنة تسع من الهجرة، أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزو الروم؛ وذلك فى حر شديد حين طاب أول الثمر، وفى عام جدب.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يكاد يغزو إلى وجه إلا ورى بغيره، إلا غزوة تبوك، فإنه صلى الله عليه وسلم بينها للناس، لمشقة الحال فيها، وبعد الشقة، وقوة العدو المقصود.
فتأخر الجد بن قيس أخو بنى سلمة وكان متهما، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى البقاء، وهو غنى قوى، فأذن له وأعرض عنه، ففيه نزلت: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي، أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا (?) .
وكان نفر من المنافقين يجتمعون فى بيت سويلم اليهودى، عند جاسوم يثبطون الناس عن الغزو. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله فى نفر، وأمرهم أن يحرقوا عليهم البيت، ففعل ذلك طلحة، فاقتحم الضحاك بن خليفة، وكان فى البيت، فوقع فانكسرت رجله. وفر أيضا ابن أبيرق، وكان معهم.
وأنفق ناس كثير من المسلمين واحتسبوا. فأنفق عثمان رضى الله عنه نفقة عظيمة، روى أنه حمل فى هذه الغزوة على تسعمائة بعير، ومائة فرس، وجهز ركابها، حتى لم يفقدوا عقالا ولا شكالا (?) . وروى أيضا أنه أنفق فيها ألف دينار.
وهذه الغزوة أتى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم البكاءوه، وهم سبعة: سالم بن عمير من بنى عمرو بن عوف، وعلبة بن زيد أخو بنى حارثة، وأبو ليلى