وخرج فى تلك الليلة عمرو بن سعدى القرظى، وكان قد أبى من الدخول معهم فى نقض عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنجا، ولم يعلم أين وقع.
فلما نزلت بنو قريظة على حكمه، صلى الله عليه وسلم، قالت الأوس: يا رسول الله، قد فعلت فى بنى قينقاع ما قد علمت، وهم حلفاء إخواننا الخزرج، وهؤلاء موالينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: بلى. قال: فذاك إلى سعد بن معاذ. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل سعد بن معاذ فى خيمة فى المسجد، تسكنها رفيدة الأسلمية- وكانت امرأة صالحة تقوم على المرضى، وتداوى الجرحى- ليعوده النبى صلى الله عليه وسلم من قريب. فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد ليؤتى به فيحكم فى بنى قريظة، فأتى به على حمار، وقد وطئ له بوسادة أدم، وأحاط به قومه، وهم يقولون: يا أبا عمرو، أحسن فى مواليك. فقال لهم سعد: قد آن لسعد ألا تأخذه فى الله لومة لائم. فرجع بعض من معه إلى ديار بنى عبد الأشهل، فنعى إليهم رجال بنى قريظة، فلما أظل سعد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال للمسلمين: قوموا إلى سيدكم. فقام المسلمون، فقالوا: يا أبا عمرو، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم.
فقال: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم لما حكمت؟ قالوا: نعم.
قال: وعلى من هاهنا- فى الناحية التى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. قال سعد:
إنى أحكم فيهم أن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذرارى والنساء.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة (?)