احتل الحافظ المنذري في النصف الأول من القرن السابع الهجري: مكانة
عظيمة مرموقة، وعده العلماء حافظ عصره دون منازع، قال الحافظ عز الدين
الحسين! تلميذه: كان عديم النظير في معرفة علم الحديث على اختلاف فنونه،
عالما بصحيحه وسقيمه ومعلوله، متبحرا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله، قيما
بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه، ماهرا في معرفة رواته وجرحهم وتعديلهم،
ووفياتهم ومواليدهم وأخبارهم، إماما حجة، ثبتا ورعا، متحريا فيما يقوله وينقله،
متثبتا فيما يرويه ويتحمله. انتهى.
وكان مجلسه في الحديث مضرب الأمثال، قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي:
قيل لي: ما على وجه الأرض مجلس في الفقه أبهى من مجلس الشيخ عزالدين بن
عبد السلام، وما على وجه الأرض مجلس في الحديث أبهى من مجلس الشيخ
زكي الدين عبد العظيم المنذري، وما على وجه الأرض مجلس في علم الحقائق
أبهى من مجلسك.
وقد أطلق عليه (الحافظ) قبل وفاته بأكثر من ثلاثين عاما. ومرتبة (الحافظ)
هذه قال فيها الخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي واداب السامع "
2: 172 هي أعلى صفات المحدثين، وأسمى درجات الناقلين، من وجدت فيه
قبلت أقاويله، وسلم
له تصحيح الحديث وتعليله، غير أن المستحقين لها يقل
معدودهم، ويعز بل يتعذر وجودهم.
وقد وصفه بالحفظ تلميذه القاضي ابن خلكان، فقال فيه: حافظ مصر، وقال
فيه مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي: لم يكن في زمانه أحفظ منه، وقال ابن دقماق:
حافظ الوقت.
وكان المنذري مفيدا، والمفيد هو الذي يفيد الناس الحديث عن المشايخ،
فيكون عارفا بهم وبعلو إسنادهم، حتى إذا جاء الطالب دله على شيوخ ذلك البلد
من ذوي الإسناد العالي وما إليهم.