البدع الباطلة شرعًا وعقلًا، فإن قيل نحن نجعل البرهانيات إضافية. فكل ما عليه الإنسان بمقدماته فهو برهاني عنده وإن لم يكن برهانيًا عند غيره، قيل لم يفعلوا ذلك، فإن من سلك هذا السبيل لم يجد مواد البرهان في أشياء معينة مع إمكان علم كثير من الناس لأمور أخرى بغير تلك المواد المعينة التي عينوها. وإذا قالوا نحن لا نعين المواد، فقد بطل أحد أجزاء المنطق وهو المطلوب.
الوجه الثالث عشر. أنهم لما ظنوا أن طريقهم كلية محيطة بطرق العلم الحاصل لبني آدم، مع أن الأمر ليس كذلك، وقد علم الناس إما بالحس وإما بالعقل وإما بالأخبار الصادقة معلومات كثيرة، لا تعلم بطرقهم التي ذكروها ومن ذلك ما علمه الأنبياء صلوات الله عليهم من العلوم، أرادوا إجراء ذلك على قانونهم الفاسد. فقالوا: النبي له قوة أقوى من قوة غيره. وهو أن يكون بحيث ينال الحد الأوسط من غير تعليم معلم، فإذا تصور، أدرك بتلك القوة الحد الذي قد يتعسر أو يتعذر على غيره إدراكه بلا تعليم لأن قوى الأنفس في الإدراك غير محدودة، فجعلوا ما يخبر به الأنبياء من أنباء الغيب إنما هو بواسطة القياس المنطقي، وهذا في غاية الفساد، فإن القياس المنطقي إنما تعرف به أمور كلية كما تقدم، وهم يسلمون ذلك والرسل أخبروا بأمور معينة مختصة جزئية ماضية وحاضرة ومستقبلة، فعلم بذلك أن ما علمه الرسل لم يكن بواسطة القياس المنطقي. بل جعل ابن سينا علم الرب بمعقولاته من هذا الباب، تعالى الله عن قوله علوًا كبيرًا.
وقد تبين بما تقرر، فساد ما ذكروه من المنطق من حصر طريق العلم مادة وصورة، وتبين أنهم أخرجوا من العلوم الصادقة أجل وأعظم وأكثر مما اثبتوه وأن ما ذكروه من الطريق، إنما يفيد علو ما قليلة خسيسة لا كثيرة