بدون (قياسهم) فلم يكن في (قياسهم) ما يحصل العلم بالمجهول الذي لا يعلم بدونه ولا حاجة إلى ما يمكن العلم بدونه. فصار عديم التأثير في العلم وجودًا وعدمًا، وفيه تطويل كثير متعب، فهو مع أنه لا ينفع في العلم فيه إتعاب الأذهان وتضييع لزمان وكثرة الهذيان.
والمطلوب من الأدلة والبراهين بيان العلم وبيان الطرق المؤدية إلى العلم وقالوا: هذا لا يفيد العلم المطلوب، بل قد يكون من الأسباب المعوقة له لما فيه من كثرة تعب الذهن، كمن يريد أن يسلك الطريق ليذهب إلى مكة أو غيرها من البلاد، فإذا سلك الطريق المستقيم المعروف، وصل في هذه مدة قريبة بسعي معتدل، فإذا تبين له مما يسلك به التعاسيف ((والعسف في اللغة الأخذ: على غير طريق بحيث يدور طرقًا دائرة ويسلك به مسالك منحرفة)) فإنه يتعب تعبًا كثيرًا، حتى يصل إلى الطريق المستقيم إن وصل، وإلا فقد يصل إلى غير المطلوب. فيعتقد اعتقادات فاسدة، وقد يعجز بسبب ما يحصل له من التعب والإعياء، فلا هو نال مطلوبه ولا هو استراح. هذا إذا بقى في الجهل البسيط، وهكذا هؤلاء.
ولهذا حكى من كان حاضرًا عند موت إمام المنطقيين في زمانه الخونجي أنه قال: عند موته: (أموت وما أعلم شيئًا إلا علمي بأن الممكن يفتقر إلى الواجب). ثم قال: (الافتقار وصف سلبي، أموت وما علمت شيئًا) فهذا حالهم إذا كان منتهى أحدهم الجهل البسيط. وأما من كان منتهاه الجهل