الإمام الغزالي وعلم المنطق:

وإنما أكثر استعمالها من زمن أبي حامد، فإنه أدخل مقدمة من المنطق اليوناني في أول كتابه ((المستصفى))، وزعم أنه لا يثق بعلمه إلا من عرف هذا المنطق وصنف فيه معيار العلم ومحك النظر وصنف كتابًا سماه ((القسطاس المستقيم، ذكر فيه خمسة موازين الثلاث الحمليات والشرطى المتصل والشرطى المنفصل، وغير عباراتها إلى أمثلة أخذها من كلام المسلمين، وذكر أنه خاطب بذلك بعض أهل التعليم وصنف كتابًا في تهافتهم، وبين كفرهم بسبب مسألة قدم العالم وإنكار العلم بالجزئيات والمعاد، وذمها أكثر مما ذم طريقة المتكلمين. وكان أولًا يذكر في كتبه كثيرًا من كلامهم إما بعباراتهم وإما بعبارة أخرى، ثم في آخر أمره بالغ في ذمهم، وبين أن طريقهم متضمنة من الجهل والكفر ما يوجب ذمها وفسادها أعظم من طريق المتكلمين ومات وهو مشتغل بالبخاري ومسلم.

والمنطق الذي كان يقول فيه ما يقول، ما حصل له مقصوده، ولا أزال عنه ما كان فه من الشك والحيرة ولم يغن عنه المنطق شيئًا. ولكن بسبب ما وقع منه في أثناء عمره وغير ذلك، صار كثير من النظار يدخلون المنطق اليوناني في علومهم، حتى صار من يسلك طريق هؤلاء من المتأخرين يظن أنه لا طريق إلا هذا، وأن ما أدعوه من الحد والبرهان هو أمر صحيح عند العقلاء، ولا يعلم أنه ما زال العقلاء والفضلاء من المسلمين وغيرهم يعيبون ذلك ويطعنون فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015