نفس الإقرار بأنه خالق كل شيء، موجبًا لأن يكون ما سواه محدثًا، مسبوقًا بالعدم وإن قدر دوام الخالقية لمخلوق بعد مخلوق فهذا لا ينافي أن يكون خالقًا لكل شيء أو ما سواه محدث مسبوق بالعدم، ليس معه شيء سواه، قديم بقدمه، بل ذلك أعظم في الكمال والجود والإفضال. وأما إذا أريد بالعلة ما ليس كذلك كما يمثلون به من حركة الخاتم بحركة اليدو وحصول الشعاع عن الشمس فليس هذا من باب الفاعل في شيء بل هو من المشروط، والشروط قد يقارن المشروط وأما الفاعل فيمتنع أن يقارنه مفعوله المعين، وإن لم يمتنع أن يكون فاعلًا لشيء بعد شيء، فقدم نوع كقدم نوع الحركة. وذلك لا ينافي حدوث كل جزء من أجزائها، بل يستلزمه لامتناع قدم شيء منها بعينه.
وهذا مما عليه جماهير العقلاء من جميع الأمم حتى أرسطو وأتباعه، فإنهم وإن قالوا بقدم العالم، فهم لم يثبتوا له مبتدعًا، ولا علة فاعلية، بل علة غائية يتحرك الفلك للتشبه بها، لأن حركة الفلك إرادية.
وهذا القول وهو أن الأول ليس مبدعًا للعالم وإنما هو علة غائية للتشبه به، وإن كان في غاية الجهل والكفر، فالمقصود أنهم وافقوا سائر العقلاء في أن الممكن المعلوم لا يكون قديمًا بقدم علته، كما يقول ذلك ابن سينا وموافقوه.