خارجين عن الثنتين وسبعين فرقة كما يروى ذلك عن عبد الله بن المبارك ويوسف بن أسباط. وهو قول طائفة من المتأخرين من أصحاب أحمد وغيرهم، وقد كفر غير واحد من الأئمة كوكيع بن الجراح وأحمد بن حنبل وغيرهما من يقول هذا القول وقالوا هذا يلزم منه أن يكون إبليس وفرعون واليهود الذين يعرفونه؛ كما يعرفون أبناءهم، مؤمنين. فقول الجهمية خير من قول هؤلاء، فإن ما ذكروه هو أصل ما تكمل به النفوس. لكن لم يجمعوا بين علم النفس وبين إرادتها التي هي مبدأ القوة العلمية وجعلوا الكمال في نفس العلم، وإن لم يعضده قول ولا عمل، ولا اقتران به الخشية والمحبة والتعظيم وغير ذلك، مما هو من أصول الإيمان ولوازمه. وأما هؤلاء فبعدوا عن الكمال غاية البعد، والمقصود هنا الكلام على برهانهم فقط، وإنما ذكرنا بعض ما لزمهم بسبب أصولهم الفاسدة.
واعلم أن بيان ما في كلامهم من الباطل والنقص، لا يستلزم كونهم أشقياء في الآخرة، إلا إذا بعث الله إليهم رسولًا فلم يتبعوه، بل يعرف به أن من جاءته الرسل بالحق، فعدل عن طريقهم إلى طريق هؤلاء. كان من الأشقياء في الآخرة. والقوم لولا الأنبياء، لكانوا أعقل من غيرهم.