فائدة زائدة على ما كان يعرف قبل حصوله، فصاروا بين أن يمتنع عليهم ما شرطوه أو ينالوه ولا يحصل به ما قصدوه وعلى التقديرين، فليس ما وضعوه من الحد طريقا لتصور الحقائق في نفس من لا يتصورها بدون الحد، وإن كان قد يفيد من تميز المحدود ما تفيده الأسماء.
وقد تفطن الفخر الرازي لما عليه آثمة الكلام وقرر في محصلة وغيره أن التصورات لا تكون مكتسبة. وهذا هو حقيقة قولنا: إن الحد لا يفيد تصور المحدود.
وهذا مقام شريف ينبغي أن يعرف، فإنه لسبب إهماله دخل الفساد في العقول أو الأديان على كثير من الناس، إذ خلطوا ما ذكره أهل المنطق في الحدود بالعلوم النبوية التي جعلت بها الرسل التي عند المسلمين واليهود والنصارى وسائر العلوم، كالطب والنحو وغير ذلك، وصاروا يعظمون أمر الحدود ويزعمون أنهم هم المحققون لذلك: وأن ما ذكره غيرهم من الحدود إنما هي لفظية، لا تفيد تعريف الماهية والحقيقة بخلاف حدودهم، ويسلكون الطرق الصعبة الطويلة والعبارات المتكلفة الهادئة، وليس ذلك فائدة إلا تضييع الزمان، وإتعاب الأذهان، وكثرة الهذيان، ودعوى التحقيق بالكذب والبهتان، وشغل النفوس بما لا ينفعها، بل قد يصدها مما لا بد منه. وإثبات [الجهل] الذي هو أصل النفاق في القلوب، وإن ادعوا أنه أهل المعرفة والتحقيق. وهذا من توابع الكلام الذي كان السلف ينهون عنه، وإن كان الذي ينهي عنه السلف خيرا وأحسن من هذا إذ هو كلام في أدلة وأحكام: