فمظنة الوصف الأول هي التي أوجبت تقديرَ النُّصُب (جمع نصاب) حتى يكون المالُ ذا بال، نظرًا لقول المازري فيما تقدم: "وكأنه (أي الشرع) لم ير فيما دونها (أي النصب) محملًا (أي للزكاة) ". ومظنةُ الوصفِ الثاني هي التي أوجبت تخصيصَ الزكاة بأجناس دون أخرى.
والأجناس (?) هي الحرث من حبوب وثمار مقتاتة، كالتمر والزيتون. وزكاة هذا الجنس ثابتة في قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]؛ إذ الصحيح أن الحق هو "الصدقة المفروضة"، وهذا أحدُ ثلاثة أقوال ذكرها ابنُ العربي في أحكامه، وقال إنه رواية "ابن وهب وابن القاسم عن مالك في تفسير الآية". (?) والماشيةُ وزكاتها ثابتة من السنة، ولم يتعرض لها القرآن. والعين من ذهب وفضة؛ لأنهما قيمةُ الجنسين المتقدمين، وزكاتُهما ثابتٌ بعضُها بالسنة وهي الفضة، وبعضُها بالإجماع المستند للقياس وهو الذهب.
قال مالك رحمه الله في الموطأ: "السنةُ التي لا اختلافَ فيها عندنا أن الزكاة تجب في عشرين دينارًا عينًا، كما تجب في مائتي درهم"، (?) فقال عليه ابن عبد البر في التمهيد: "إنما قال السنة عندنا إذ لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيءٌ في تحديد نصاب