كان ذلك الإفضاءُ من قبيل الذريعة الملغاة في الشريعة لندرة ترتُّب المنهيِّ عنه عليها إذا نسبناه لما يترتب عليها من المنافع؛ إذ قد قرَّر أئمة أصول الفقه والفقه أن ليس كلُّ ذريعة يجب سدُّها. (?) فإنَّ الشريعة الغَت ذريعة غراسة العنب مع أنها ذريعة لعَصْر الخمر، وألغت ذريعةَ التجاور في البيوت مع أنها تكون ذريعة للزنا، وألغت ذريعةَ حفر الآبار مع أنها يتردّى فيها الناسُ والحيوان. فإنّ حكمَ الذريعة إلى الفساد إن لم تكن فيها مصلحة، غيرُ حكم الذريعة المشتملة على مصلحة وهي تفضي إلى مفسدة.
ويتدرّج النظرُ حينئذٍ في مراتب المصالح والمفاسد، وحينئذٍ يقتصر حكمُ التحريم أو الكراهة على الصورة الواقع فيها بسبب الكراهة أو التحريم عند وقوعها ويخاطَب بالمؤاخذة عليها. فتعين أن يكون القارئُ غيرَ ممنوع من القراءة لأجل خلوِّ بعض السامعين لصوته عن آداب سماع القراءة، وتأخذ أحوال السامعين أحكامها المناسبة لها كما سيأتي. وقد قال الحسن البصري: "لو تركنا الطاعةَ لأجل المعصية لأسرع ذلك في ديننا"، قال ابن عرفة: "أي لأسرع في ديننا النقصُ والاختلال". (?)
وأمّا ما عسى أن يقع من تقطيع بعض كلمات القرآن أو الفصل بين آياته باضطراب الجو أو بغلبة بعض الأصوات التي تدخل في أمواج الجو فتغلب على صوت القارئ، فلا مؤاخذةَ فيه على القارئ؛ إذ ليس ذلك من فعله. (?)