وإذا تبيّن أنّ تصدِّيه للإذاعة بالقراءة مباح، فلا ينقض حكمَ الإباحة ما عسى أن يبلغ مدى صوت القارئ إلى سامعٍ يكون على حالةٍ تجعله غير كامل الأهلية لسماع القرآن، أو إلى مكانٍ غير لائق، بل يكفي في جواز فعلِه كونُ الغالب على قراءته أن ينتفع بها المسلمون على اختلاف مقاصدهم وقابليتهم ومبالغ نياتهم. فمراعاة الآداب في ذلك واجبةٌ على السامعين، وليس القارئ بمسؤول عنها. وقد قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - بحيث يسمعه المشركون، (?) وقرأ عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في مقام إبراهيم بمسمَع من المشركين. (?) وقرأ أبو بكر - رضي الله عنه - بمسجده الذي اتخذه بباب داره في مكة، فكانت نساءُ المشركين وصبيانُهم وعبيدهم يقفون عند مسجده يُعجَبون من رقة صوته.
وإذ قد تبيّن أنّ الغالبَ في التصدِّي للقراءة بمركز الإذاعة هو حصولُ النفع بها الذي يغتبط به جمهورُ المسلمين، وكان من النادر إفضاءُ ذلك إلى ظهور صوت القارئ في مواضع قد توجد فيها حالةٌ تقتضي حكمَ مخالفة الأَوْلَى (?) أو الكراهة أو الحرمة ولو عن غفلة من بعض السامعين، وبعض تلك الأحوال أندر من بعض،