وأما حكمه فإنه يجب على المسلم النهيُ عنه؛ قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104]. وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه". (?) قال عياض في الإكمال: "لا ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يحمل الناسَ على اجتهاده ومذهبه؛ وإنما يغيِّر منه ما اجتمع على إنكاره وإحداثه". (?)
وقال الأبي في إكمال الإكمال: "وشرطُ القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العلم، ثم ما اشتهر حكمُه كالصلاة وحرمة الزنا، يستوي في القيام به العلماء وغيرهم، وما دق من الأعمال والأقوال فإنما يقوم به العلماء. ثم العلماء لا يغيرون إلا ما اتُّفق عليه، ولا يغيرون في مسائل الخلاف؛ لأنه إن كان كلُّ مجتهد مصيبًا فواضح، وكذلك على أن المصيب واحد؛ لأن المخطئ غير آثم. نعم، يندب للخروج من الخلاف للاتفاق على رجحان الخروج منه". (?)
قال فقهاؤنا: يغير المنكرَ باليد كلُّ مَنْ له سلطةٌ كالأمراء وولاة الحسبة، ويغير باللسان مَنْ لا سلطةَ له على الناس، ويغيره بقلبه من خشي ضررًا إذا غيره بلسانه. ومعلومٌ أن المراد بالعلماء في كلام الأبي العلماء الراسخون الذين اطلعوا على مختلف أقوال الأئمة وعرفوا المتعارضات ووجوهَ الجمع بينها، لا الذين تلقفوا كلماتٍ لم يحسنوا تنزيلَها، كما بينه القرافي في الفرق الثامن والسبعين. (?)