الشرعَ شهد باعتبار جنس مصلحتها؛ فإن الأذان شُرع لمصلحة الإعلام بدخول الوقت، والإقامة شرعت لإعلام بالدخول في الصلاة. والتحضير والتصبيح والتأهيب من ذلك النوع، ولما في الثلاثة من مصلحة الإعلان بقرب حضور الصلاة، ولما في التأهيب من الإعلام بأنه يوم الجمعة لمن لا عنده شعور من ذلك. ويشهد لذلك زيادة عثمان - رضي الله عنه - أذانًا بالزوراء يوم الجمعة على ما كان في زمنه - صلى الله عليه وسلم - وزمن الخليفتين". (?)
وأقول: قال الأئمة هذا الحديث من جوامع الكلم. وأنا أقول إنه من جوامع الكلم، ومن أبلغ الكلام القريب من حد الإعجاز، بحيث لو غُيِّرَ لفظٌ منه إلى غيره لفات معنى عظيم. فإن لكلمة "أمرنا" وكلمة "في" وكلمة "من" خصوصياتٍ هنا بالغة، فالتعبير بأمرنا الذي هو بمعنى شأننا ومجموع أحوالنا، يشمل كلَّ ما يرجع إلى أحكام الإسلام ويدخل تحت معانيه. ولو قيل: من أحدث في سيرتنا، أو في سنّتنا، أو أحدث عملًا لم يكن من عملنا، لم يفد ذلك. كما أنه لو قيل: من أحدث في ديننا، لَظُنَّ أن المنهيَّ عنه هو إحداث دين جديد. ولكلمة "في" خصوصية، وهو أن يكون الإحداث داخلًا في الدين وليس في أحوال المعيشة، ولو لم يؤت بـ "في" فقيل: من أحدث مع أمرنا أو بعد أمرنا، لم يُفِد ذلك.
وكذلك كلمة "من" فإنها مؤذِنَةٌ بأن المحدَث المردود ما كان غيرَ متصل بالدين، ومن المعلوم أن ليس المراد بكون الشيء من الدين أن يكون وقع التنصيصُ