ومن فضائل شجاعة أهل المدينة في الجاهلية أنها شجاعة فاضلة؛ لأنهم ما كانوا يغيرون على القبائل الآمنة، ولكنهم كانوا يذبون عن مدينتهم من كل طارق بسوء. فكانت مدينتهم من أحصن مدن العرب في الجاهلية، واشتهرت بسورها، وبحصونها المنيعة المسماة بالآطام؛ (?) يتحصنون بها إذا دهمهم العدو. وكانت تحف بها بساتين النخيل التي تمونهم إذا حاصرهم العدو، على أن تلك الحوائط كانت فيها آطام لهم للدفاع عن ثمارهم.
فأما المهاجرون، فمن أهل مكة. وأهلُ مكة وإن لم تكن لهم سابقةٌ في الحرب؛ إذ كان العرب مسالمين لهم، إلا أن الفئةُ الذين آمنوا منهم قد أكسبهم الإيمانُ واليقين بالله، والغيرة على الحق، والحنق على المشركين، إقدامًا على الانتصار للدين، ظهرت بوادرُه في صبرهم واستخفافهم بعداوة أعدائهم. وقد أيَّد الله المسلمين في مدينتهم بعصمة إلَهية من أن يتطرَّقها ما يفسد أهلها. ففي الحديث أن "على أنقاب المدينة ملائكةٌ، لا يدخلُها الطاعونُ ولا الدجال"، (?) وفي الحديث: "المدينة كالكير تنفي