ومن الغريب ما ذكره القرطبي في كتاب "المفهم على صحيح مسلم" عن مسند البزار عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجلس بين ظهراني أصحابه، فيجيءُ الغريبُ فلا يدري أهُوَ هُوَ حتى يسأل، فطلبنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نجعل له مجلسًا كي يعرفه الغريب، فبنينا دكانًا من طين يجلس عليه". (?) وهذا غريب؛ إذ لم يُذكر هذا الدكان فيما ذكروه من تفصيل صفة المسجد النبوي في الكتب المؤلفة في ذلك.

وكانت هيئةُ جلوس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجلسه غالبًا الاحتباء، فقد ذكر الترمذي في كتاب الشمائل عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في المجلس احتبى بيديه". (?) وقول الراوي: كان يفعل، يدل على أنه السُّنةُ المتكررة. والاحتباء هو الجلوس وإيقاف الساقين، فتجعل الفخذان تجاه البطن بإلصاق، ويلف الثوب على الساقين والظهر، فإذا أراد المحتبي أن يقوم أزال الثوب.

وأما الاحتباء باليدين فهو أن يجعل المحتبي يديه يشد بهما رجليه عوضًا عن الثوب، فإذا قام قالوا: حلَّ حِبوته (بكسر الحاء وضمها). وكان الاحتباءُ أكثرَ جلوس العرب، وربما جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القُرْفُصَاء (بضم القاف وسكون الراء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015