فينتج من ذلك أن مقام أبي هريرة كان في الروضة، وأن ملازمته رسول الله كانت في ذلك المقام، وأن الروضة هي مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. هذا وقد رأيتُ في كلام شهاب الدين الخفاجي في شرحه على شفاء عياض كلمةً تقتضي الجزمَ بأن مجلس رسول الله هو الروضة؛ فإنه لَمَّا بلغ إلى قول عياض: "ومما لم يزل مِنْ شأن مَنْ حجَّ المرورُ بالمدينة، والقصد إلى الصلاة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتبرك برؤية روضته ومنبره وقبره، ومجلسه". . . إلخ، (?) قال: "ومجلسه، أي: موضع جلوسه في الروضة المأثور"، (?) ولم أقف على مستنده الصريح فيما جزم به.
كان أصحاب رسول الله إذا قصدوا مسجدَه، يحضرون المكان الذي اعتاد الجلوسَ فيه. فإذا قدموا قبل خروج الرسول، يجلسون ينتظرونه حتى إذا خرج رسول الله كانوا يقومون له، فنهاهم عن ذلك، روى أبو أمامة قال: "خرج علينا رسول الله فقمنا له فقال: "لا تقوموا كما يقوم الأعاجم، يعظم بعضُها بعضا""، (?) فصار القيامُ منسوخًا على الأصح.
وعندما يخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه يبقون جلوسًا، "فلا يرفع أحدٌ منهم بصرَه إلى رسول الله إلا أبو بكر وعمر؛ فإنهما كانا ينظران إليه، وينظر إليهما،