فلا جرم أن كان الكتاب المعزوم عليه يتضمن التحذيرَ من شيء سيقع، مثل النص على أن أبا بكر هو الذي يلي أمر المسلمين، أو النص على كيفية تعيين الخلفاء للأمة، وقاعدة البيعة، فإن الخلاف في ذلك قد جر فتنًا على المسلمين نشأت من اختلاف في أدلة الاجتهاد. قال المازري في المعلم: "وقد قال بعضُ العلماء: الأظهر عندي أنه أراد - صلى الله عليه وسلم - أن ينص على الإمامة بعده لترتفع بنصه عليها تلك الفتن العظيمة التي منها حربُ الجمل وحرب صفين. وهذا الذي قاله غير بعيد". (?) ولا شك أن المهاجرين والأنصار كانوا يومئذٍ في حال حيرة في مصير أمرهم بعد وفاة نبيهم.
ويُحتمل أن يكون أراد أن يكتب لهم كتابًا في إعادة التصريح بأن الإيمان لا ينقضه التقصيرُ في الأعمال البدنية، فإن تكفير المسلمين بعضهم بعضًا قد ابتلاهم بفتن عظيمة، مثل فتن الخوارج والمعتزلة وغيرهم الناشئة عن اعتقاد تكفير مرتكب الكبيرة حتى أفضت إلى الطعن في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتكفير بعضهم كثيرًا منهم. وآل هذا إلى أن ترمي طائفة مخالفيها بتهمة الخروج عن حظيرة الإسلام، فتستخف بحقوقها ودمائها، ولا تلبث أن تمتشق السيوف بين الطائفتين، حتى كاد أن ينفرط عقد الجامعة الإسلامية. ومني المسلمون بفتن عظيمة عملية وفكرية من جراء مصيبة تكفير بعضهم بعضًا قد شهد بها التاريخ.
أو يكون قد أراد أن يبين للأمة وجوب استمرارهم على ما كانوا عليه في حياة الرسول من الانقياد وإعطاء زكاة الأموال ليسلموا من فتنة الارتداد التي طلع قرنها بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باعتقاد قبائل العرب أن الطاعة لا تجب بعد الرسول، كما قال الحطيئة: