يجوز للرسول ترك البيان اكتفاءً بالأدلة التي تلوح لمجتهدي الأمة. فتعين أن يكون الكتاب الذي هَمَّ به مقصودًا لأمر غير متعلق بإفادة تكليف ولا بشرع أُنُف، وأنه إنما كان في أمر يرجع إلى تنبيه الأمة أو بعضها إلى شيء من شؤون تدبير أمورهم العامة، وتحريضهم أو تحذيرهم في شيء مما سبق الإشارةُ إليه في القرآن والسنة.
وإن مَنْ مارس السنة النبوية يستيقن أنه قد كثرت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العام الأخير من حياته أقوالٌ مشيرة إلى قرب انتقاله إلى الرفيق الأعلى، فبعضها صريح، وبعضها دونه، وأن أصحابه كانوا متفاوتين في التفطن إلى الإيماء منها، وقارن معظمَها إيقاظُ الأمة إلى الأخذ بالحزم في شؤون جماعتهم، والتعويل على استخدام مواهبهم في العمل بما سبق إليهم من الإرشاد، وحذرهم من عوارض تعرض للأمم، كقوله في خطبة حجة الوداع: "فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض"، وفي حديث الترمذي عن العرباض بن سارية: "وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظةً وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظةُ مودِّع، فأوصانا، قال: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، فإنه مَنْ يعش منكم يَرَ اختلافًا كثيرًا. . .""، الحديث. (?) وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)} [المائدة: 54]. وفي حديث الصحيحين: "إني لأرى الفتن من خلال بيوتكم". (?)