اختار الله لرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - صفةَ الأمية إظهارًا لصدق نبوته الكاملة الطافحة بأبلغ الحكم، وأنفع القوانين، وأصدق المعارف. فإن مجيئه بذلك الحق الباهر، وثقته بصحة ما جاء به، ودفاعه عنه، ومجادلته معانديه فيه، ومباهلته إياهم، وإقامة الحجج القاطعة عليهم، كانَ أظهرَ ما جاء به رسولٌ من عند الله. ولقد يكون في بعض المعجزات مقنعٌ للناظر والسامع بصدق ما جاء به.
ولكن الله تعالى لما جعله أفضلَ الأنبياء أراد أن تكون معجزةُ رسالته أوضحَ المعجزات وأجلاها فائدة بمعجزة باقية مستمرة لكل زمان، وجعلها قائمةً بذاته وبنفسه الشريفة. تلك هي معجزةُ القرآن التي نوه بها قولُه - عليه السلام - في الحديث الصحيح: "ما من الأنبياء نبي إلا أُوتِي من الآيات ما مثلُه آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة"، (?) وجعل معجزةَ الأمية مكمِّلةً لمعجزة القرآن ومؤسِّسةً لمعجزة الشريعة، فمن أين لأمي أن يأتي بمثل ما أتى به محمد - عليه السلام - لولا أن ما أتى به وحي من الله عز وجل؟ ولذلك قال الله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23]، قيل الضمير المضاف إليه مثل عائدٌ إلى قوله: "عبدنا"، المراد به النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي: ائتوا بسورة من رجل مثل محمد في كونه بشرًا أميًّا لم يقرأ الكتب ولم يتعلم العلوم.
إعجاز القرآن من جهتين: جهة لفظه، وجهة معانيه. فإعجازه من جهة اللفظ ببلاغته وفصاحته اللتين أعجزتا فصحاء العرب وبلغاءهم عن معارضته، وهذه