من أجل هذا لم يكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعلق بلذائذ الحياة الدنيا، ولذلك قال في الحديث الصحيح: "حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، (?) وجعلت قرة عيني في الصلاة". (?) ولذة النساء ولذة الطيب لذتان تُفضيان إلى كمالات روحانية، فقرب النساء فيه تكميلُ الملكية بتهذيب القوة الحيوانية ليصفوَ ما في النفس من الكدر فتتغلب القوة الملكية؛ لأن الله أعطى رسوله - صلى الله عليه وسلم - قوة زائدة، كما ورد في حديث أنس البخاري: "كنا نتحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُعطي قوة ثلاثين رجلًا". (?) وحكمةُ خلق هاته القوة في جسده الشريف أن تكون تلك تلك القوةُ غير المعتادة مناسِبةً لأَنْ تَحُلَّ فيه روحٌ ملكية غير معتادة؛ لأن بين إمداد قوى الجسد وقابلية القوة الروحية ملابسةً وثيقة.
وكما أن القوى الجسدية تمد القوة الروحية بما تحتاجه كذلك تمد الهيكل البشري بقوى زائدة؛ لأن شأن المادة الجسدية أن تكون أوزاعًا بين ما يحتوي عليه الجسم الروحاني من الجهاز الملائكي الذي يوقده ويشعه العقل الذي مقره القلب والدماغ، ومن الجهاز الجثماني الذي به حفظ بقاء الهيكل المحتوي على العقل الموقد