ليال أقربُ إلى الحصول منه عند حلول المصيبة أو في اليوم الأول، وهكذا ما زادت الأيام كان الصبر أمكن وأقرب. وفي الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصبر عند الصدمة الأولى"، (?) يعني الصبر الكامل، وإلا فالصبر مأمورٌ به ومثاب عليه في كل وقت، بقدر ما يَحملُ المصابُ نفسَه على دفع الجزع والحزن، وبقدر ما له من جزع وحزن مدفوعين.

فإن قيل: لعل المراد بقوله: "لا عزاء بعد ثلاث" أي: لا ثوابَ على الصبر بعد ثلاث، قلنا: هذا لا يستقيم؛ لأنه يصير الكلامُ إغراءً بالدوام على الحزن والجزع إذا فاتت ثلاثُ ليال قبل أن يحصل الصبرُ أو بعضُه، مع أن الحزن يعاود الحزين ولو بعد مدة طويلة، ولا يملك له دفعًا إلا بمعاودة الصبر. وقد عاود الحزنُ يعقوبَ - عليه السلام - بعد مدة طويلة، كما حكى الله عنه بقوله: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} إلى قوله: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 84 - 86]، مع أنه صبر عند الصدمة الأولى؛ إذ قال حين أخبره أولاده بهلاك يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)} [يوسف: 18]، وقال حين أخبروه بأسر بنيامين: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} [يوسف: 83]. فثبت أن المعنى المفاد من كلمة لا عزاء بعد ثلاث معنى باطل.

ولا يصح أن يكون النفيُ في قولهم: "لا عزاء بعد ثلاث" مرادًا به النهي، مثل "لا وتران في ليلة"، (?) أي: لا تُعَزُّوا ولِيَّ الميت بعد ثلاث، أي: النهي عن تذكيره بواجب الصبر وترغيبه فيه بعد مرور ثلاث ليال على موته، كما يتوهمه الناسُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015