تسير على الألسنة أقوالٌ تصادف هوًى من الناس، فتدفعهم الشهوةُ إلى قبولها، ويتلقونها تلقي النفس للمحبوب غير مصغية إلى عذولها. ثم تتسع بين العامة قددًا، ولا يتطلبون لها سندًا. ولربَّما كانت من قبل أن تتعلق بها الأهواء عاكفة في حجر الانزواء، وكذلك تراها إذا انصرفت عنها الأهواء تذهب كما يذهب الغثاء. ولقد يبلغ الغلوُّ في بعضر الأحوال فيكسو هذا القبول حليةً مشذورة؛ (?) إذ يجعل تلك الأقوالَ من السنة المأثورة. وبهذه العلة كثرت الأحاديثُ المشتهرة، التي نِسبتُها إلى الرسول الكريم مستَنْكَرة.
وفي عداد هذه الأقوال التي راجت كلمة "لا عزاء بعد ثلاث"، تناقلها الناسُ وظنوها من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفرَّعوا على هذه النسبة تفاريعَ وأحكامًا، ووقتوا المآتِمَ أوقاتًا وأيامًا. وليس هذا القولُ من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وشواهدُ الغلط في نسبته إليه واضحة سندًا ومعنى.
أما من جهة السند، فهذا كلامٌ لم ينسبه إلى رسول الله ولا إلى أصحابه أحد؛ إذ لا يوجد له ذكرٌ فيما علمنا من كتب الحديث المعدة لإخراج الحديث الضعيف والتنبيه على الأحاديث الموضوعة، بله كتب الصحيح والحسن.
وأما من جهة المعنى، فهو غير مستقيم؛ لأن العزاء لغة هو الصبر، فيصير المعنى: لا صبر بعد ثلاث، أي ليال. وهذا معنى باطل؛ لأن الصبر بعد مضيِّ ثلاث