وهذا هو التأويلُ الشائع بين طلبة العلم. وعندي أن معناه ضعيف؛ إذ لا مناسبةَ لأن تُستعمل غلبةُ العرش في معنى عظمة الله تعالى؛ إذ ليس العرشُ بمتوهَّمٍ فيه خالقيةٌ ولا تعاصٍ حتى يُعبَّر بغلبته عن عظمة الغالب. وعلى هذا التأويل، فالمرادُ بالعرش العرشُ الذي هو من عالَم السماوات.
التأويل الثاني: للإمام الرازي، قال: "الاستواء: الاقتدار"، وزعم أنه أحسن التأويل. (?) والحق عندي أنه تأويلٌ ضعيف؛ إذ لا كبيرَ معنى للاقتدار هنا، والمرادُ بالعرش على هذا مثلُ المرادِ به على التأويل الأول.
التأويل الثالث: قال صاحب الكشاف: "لمَّا كان الاستواء على العرش - وهو سرير الملِك (بكسر اللام) - يرادف الْمُلكُ (بضم الميم وسكون اللام) عرفًا (أي يلازم وصف الْمِلْك) جعلوه (أي العرب) كنايةً عن الْمُلك (بضم الميم) فقالوا: استوى فلان على العرش، يريدون ملك، وإن لم يقعد على السرير البتة"؛ (?) يريد أن ذلك من الكناية باللازم المتعارَف عن الملزوم.
ومعلومٌ أن اللفظَ المستعملَ كنايةً عن لازمِ معناه لا يلزم فيه صحةُ إرادة الملزوم، فلذلك زاد صاحبُ الكشاف قوله: "وإن لم يقعد على السرير البتة". فالمراد بالاستواء فيه هو معنى الجلوس، والمراد بالعرش كرسيُّ الملك، فحصلت الكنايةُ بذلك عن الملك ولا استواء ولا عرش.