وقد حدثت في خلافة المأمون فتنةُ الخوض في أن القرآن مخلوق، وأُلقيت الأسئلةُ على كثير من أهل العلم، فكان منهم من أبَى الجواب. ومن هؤلاء الإمام أحمد بن حنبل، وقد ضُرب ليجيب فأبَى الجواب. وما كان ذلك جهلًا منه بالفضل بين الموصوف بالمخلوق والموصوف بالقديم، ولكنه علم أن المقصود الفتنة ليتخذوا كلامَه وسيلة لتأييد البدعة.

ولَمَّا دخل محمد بن إسماعيل البخاري لنيسابور سألوه عن رأيه في القرآن: أهو مخلوق؟ فأبَى أن يجيبَ ثلاثًا، وقال: الامتحانُ بدعة. ثم لَمَّا ألَحُّوا عليه أجاب بكلام موجَّه. (?) فإبايتُه الجوابَ ابتداءً لا تُعَدُّ مِنْ كَتْم العلم المنهي عنه؛ لأنه علم أن المقصود الفتنة والتشغيب. وقد جاء رجلٌ يسأل مالك بن أنس رحمه الله عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه: 5]، فقال له: السؤال عن هذا بدعة، ولا أراك إلا صاحب بدعة. وأمر بإخراجه من مجلسه فأخرجوه معنفًا. (?)

وفي البخاري سأل الحجاجُ أنسَ بن مالك عن أشد عقوبةٍ عاقبها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحدَّث أنس بحديث العرنيين الذين ارتدوا وقتلوا راعي إبل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقطع أيديَهم وأرجلَهم وسمل أعينهم. فبلغ ذلك الحسن البصري، فقال الحسن: "وددت أنه لم يحدثه"، أي بهذا الحديث. (?)

هذا ما لاح في الإعلام بمعنى هذا الحديث، وبه يتميز السمينُ من الغثيث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015